تلويحة لمكة الصحيفة

بصدور هذا العدد أكون قد طويت محطة أخرى في دائرة من دوائر حياتي العملية الأربع، الأكاديمية والثقافية والتجارية والإعلامية.

وقد بدأت هذه المحطة مع الإشراف على إصدار العدد التذكاري لصحيفة مكة المكرمة بتاريخ الأحد 17 رمضان 1433هـ، الذي قدمه رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام الشيخ صالح كامل وأعضاء المجلس بعد انتخابه مباشرة من أعضاء الجمعية العمومية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحظي بمباركته وتوقيعه على الصفحة الأولى، مرورا بوضع السياسة التحريرية للصحيفة وتقديمها لمجلس الإدارة ثم تشكيل فريق التحرير بالصحيفة بوصفي مستشارا لرئيس المجلس، وانتهاء بقيادة فريق التأسيس المتميز الذي قام بترجمة هذه السياسة إلى واقع عملي من حيث الشكل والإخراج والماكيت والتبويب والأسلوب والصياغة.


صدور صحيفة مكة كان ثمرة جهد كبير ومتواصل لإعادة هيكلة صحيفة الندوة العريقة التي حمل لواءها الدكتور محمد عبده يماني الذي بذل من وقته وجهده وجاهه الكثير، وتولى ملفها الأستاذ إياد مدني وزير الثقافة والإعلام آنذاك، ثم تولاه بعدهما الوزير الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي جعل إصدار الصحيفة نصب عينيه لكي تعود الصحافة إلى مكة قوية متوهجة بعد مضي أكثر من قرن من الزمان على إصدار أول صحيفة في هذه البلاد، تلاه إنشاء أول مطبعة بها، فيما تولى رئيس مجلس الإدارة شخصيا وأعضاء المجلس إعادة بناء هذا الكيان، يسانده في ذلك أعضاء الجمعية العمومية، وقام بوضع السياسات العامة للمؤسسة والصحيفة، وازدان المشروع بتدشين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز إصدار الصحيفة في يوم مبارك وشهر مبارك لعمل مبارك بإذن الله.

واكتنف صدور هذه الصحيفة حوار ثري ومثمر بين الكتاب والأدباء والإعلاميين والمثقفين حول مسمى الندوة ومكة، كما امتد إلى رؤية الصحيفة ورسالتها وأهدافها وتطلعاتها من جهة، وتطلعات القراء والمكيين منهم خاصة نحوها، ناهيك عن حديث الجدوى والزمان والمكان والمستقبل، وكانت جميعها تصب في تحرير الرؤية وتحديد الرسالة وتسديد المسار.

وحرصت الصحيفة على تقديم نفسها بشكل فريد، وإخراج متميز، ومحتوى يسعى إلى أن يقدم توليفة لصحيفة تصدر في عصر الألفية، فقدمت منتجها الذي اتخذت من متعة المعرفة شعارا له، بأسلوب جعل من صحافة البيانات والمعلوماتية بناء لموادها التحريرية في قوالب عرفت بها الصحيفة مثل الإنفوجرافيك والصيغة البديلة للقصة والرسوم والاسكتشات، ساهم في إنتاجها فريق عمل متميز وطموح وجاد برؤية طليعية وحماس منقطع النظير، وخبرات جمعتها في صحف كبيرة محلية وعربية، ومتابعات ثاقبة في الصحف العالمية، وتلقاها الناس بقبول حسن ومتصاعد الوتيرة عبر الأشهر العشرة التي مرت من عمر صحيفة مكة القصير ضمن مراحل تاريخها الطويل في الندوة وحراء على يد مؤسسيها الأولين أحمد السباعي وصالح جمال، ورؤساء تحريرها ومدرائها العامين ومجالس إداراتها.

كانت الأصداء الطيبة تجمع ما بين إشفاق المحب ومجاملة الصديق وحماس جيران الحرم وإنصاف المهني وموضوعية المتخصص وإعجاب القارئ الذكي الواعي، وهي الأصداء التي نسمعها في مكة كما سمعناها في مناطق المملكة المختلفة، وترجمت عمليا بوصول الصحيفة عبر نسختها الورقية من خلال مطابع ثلاث إلى أرجاء المملكة، ونسختها الإلكترونية إلى قراء ومحبي مكة في العالم أجمع، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تربعت الصحيفة بعد أشهر من صدورها وعلى مدى أشهر أخرى على قمة الصحف السعودية الأكثر تأثيرا في تويتر حسب تصنيف klout.

إن قيادتي لفريق التأسيس وإصدار الصحيفة مستشارا ثم رئيسا للتحرير تعني شيئا واحدا فقط هو أن هناك فريق عمل متفاهما ومتجانسا من الزملاء والزميلات، صدقوا ما تعاهدنا عليه في بذل أقصى الجهد وفرط الوسع بتقديم صحيفة متميزة في زمن صعب وظروف عسيرة واتجاهات عالمية وإقليمية ومحلية في الصحافة ليست وردية على كل حال، وقام فريق عمل صحيفة مكة مجتمعين على اختلاف مراكزهم وأدوارهم بالعمل المطلوب، سواء أكانوا في المركز الرئيس بمدينة مكة المكرمة أم المراكز الإقليمية في جدة والرياض والدمام والمكاتب الفرعية في المدن الأخرى، إضافة إلى الزملاء المراسلين في الداخل والخارج.


ولأن من يعرف الفضل من الناس ذووه فإني أزجي الشكر بعد الله لرئيس وأعضاء مجلس الإدارة وأعضاء الجمعية العمومية وللكتاب مصابيح المعرفة وأمراء البيان ولجميع الزملاء والزميلات في التحرير والإدارة على ما بذلوه ويبذلونه للصحيفة، وما زال الطريق طويلا، والمهمة شاقة، والزمن صعب، ولكن الهمم عالية والعزائم قوية والرؤية مستنيرة.

والشكر لجيران الحرم أهل الله على حماسهم ومشاركتهم، ولكل من قرأ حرفا أو خط بقلم أو أبدى ملاحظة أو فكرة أو نقدا لهذه الصحيفة.

ولعلي حين أترجل عن قيادة تحرير هذه الصحيفة الوليدة العريقة أحسب أني قمت - ما استطعت - بما يرضي الله أولا، وبحمل أعباء الأمانة ثانيا، وبما يلبي بعض تطلعات قراء مكة مما يمليه علينا واجبنا تجاه أنفسنا ومهنيتنا ووطننا وموطن النور والآخرين.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

صحيفة مكة 1436/1/27هـ