معضلة المكان والزمان في الحج

كان حديث معالي وزير الحج لـ «عكاظ» الأحد الماضي ضافيا، لفتني فيه قوله إن التحدي المقبل يكمن في التحكم بنسب التسلل إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أثناء الحج، كاشفا عن دراسة لإنشاء سبع بوابات إلكترونية ذكية في مداخل مكة لمنع دخول المخالفين وأن هذا الحل التقني تشرف عليه عدة جهات حكومية وعدة جهات استشارية وعدة شركات عالمية.


تبدو الفكرة زاهية، وهي كذلك، بالخصوص أن الوزير يربط مشاكل الافتراش، وكل ما يتولد عنه من ازدحام وتدفق للحشود وفوضى، بالحجاج غير النظاميين، لن أناقش هذا الربط وإن كان بظني المتواضع يشمل حتى الحجاج النظاميين بسبب سلبية بعض مؤسسات الطوافة ذاتها أو شركات وحملات الداخل، في عدم قدرتها على ضبط حركة خروج ودخول الحجاج من وإلى كل من مكة المكرمة ومشعر منى. صحيح أن معاليه تحدث عن الاتفاق مع هذه المؤسسات والشركات ومع مكاتب بعثات الحج بمنع 50 % من التعجيل في اليوم الثاني من أيام منى لمنع التكدس والازدحام في الحرم الشريف، وهذه خطوة أخرى هامة في الاتجاه الصحيح، لكن تخصيص لجنة جديدة تعنى بالتفويج، كما صرح معاليه، لا أظنها تكفي، الحج كله يجب أن يقوم على مبدأ التفويج، وإن أمكن لي سأقول أن تصبح خدماته صناعة وميكنة.

لم لا تتولى وزارتنا الموسمية كل شؤون الحج والعمرة والزيارة وأن تشمل مؤسسات الطوافة العمرة أيضا بدون تدخل الجهات الأخرى، للمركزية حسناتها أحيانا، لم لا تقوم هي بكل دراسات التنظيم وإدارة الحشود، وتبقى بالطبع للجهات الأمنية والصحية الأخرى مهامها. فمثلا الدراسة التي أشار إليها معاليه عن البوابات الإلكترونية، بظني المتواضع أن الأمر أهون بكثير من أن يوكل لعدة جهات استشارية وعدة شركات عالمية ستأخذ المليارات، لنأخذ الفكرة المبسطة لأصحاب الشبوك، يمكننا تكليف مقاول محلي بإحاطة مداخل مكة بشبك عادي مزود بكاميرات ضوئية حرارية وقوة أمنية مجوقلة وسيؤدي الغرض، والأولى أن تسور المشاعر، وأزعم أن تكاليف إنشائه وصيانته سنويا لن تكلف معشار ما ستأخذه تلك الجهات المتعددة، علما بأن الشبك الحقيقي هو الحاجز الأول عند الحدود، وإلا من يصدق تسلل نصف مليون حاج من المداخل.


التحدي الحقيقي للوزارة ليس هنا بل عندما تنتهي مشاريع توسعة الحرم والمطاف وعندما تعود نسب الحج لكافة الدول كما كانت سابقا، هنا لابد للوزارة من وقفة وإن من خلال وزارة الخارجية وكافة المنظمات الإسلامية للاتفاق مجددا على صيغ ونسب جديدة، نحن حتى لو أردنا لن يمكننا الاستمرار في توسعة الحرم أكثر، وربما لعشرين عاما قادمة، ونعلم أن كل مسلمي العالم يودون الحج وكل عام لو أرادوا، مساحة المشاعر تحدنا حتى وإن طورنا منى بالبناء على سفوحها، مع التحفظ على فكرة الخيام بدورين في عرفات، وأخشى أن يتم هدم خيام منى الآن لبناء خيام متعددة الأدوار. هناك نسبة وتناسب بين المساحة الجغرافية المتاحة وعدد الحجاج الممكن، ولا بد أن تعي ذلك كل الدول الإسلامية، فتعمل معا على تحديد نسب جديدة يسمح بها المكان والزمان، وقد يكون مستوى 7 ملايين حاج الذي يشير إليه الوزير بعد اكتمال المشاريع مناسبا لتثبيته بعد ذلك لعدة سنوات.

عكاظ 1435/12/15هـ