من مرتكزات الهوية المكية

 

تعقيبا على الموضوع الذي نشر في الموقع  للدكتور حسن قاضي أبن الأخ العزيز الأستاذ محمد قاضي. زميل الدارسة و عضو البشكة القديم.

في الحقيقة المقال يعكس عدة نقاط في منتهى الأهمية و الخطورة بالنسبة للشأن الإجتماعي المكي عامة و للجيل المكي الشاب على وجه الخصوص. لا سيما و أن مشاريع التوسعة و التطوير التي شهدتها و لازالت تشهدها مكة المكرمة لم تراعي الجانب الإجتماعي للمجتمع المكي بقدر ما ركزت على الجوانب العمرانية و الخدمية. الأمر الذي كان له أثر عميق و مدمر لبنية المجتمع المكي عامة، و نظرة الجيل الجديد من أبناء مكة على وجه الخصوص.

فتلك المشاريع التطويرية منذ التوسعة الأولى للمسجد الحرام . أدت إلى تغيير كبير في متطلبات المجتمع  المكي و عاداته القديمة التي نشأت على متطلبات للبيئة المكية في السبعينات الميلادية و ما قبلها. و المتأمل في تطور المجتمع المكي منذ نشات مكة. يلاحظ أنها إرتكزت على ثلاثة ثوابت أساسية هي، المسجد الحرام ، و الحج ، و أهل مكة. و إن أختلفت مفاهيمها عبر العصور.

فالمسجد الحرام هو بيت الله و هو مدرسة اهل مكة و هو بؤرة الجوار العظيم الذي نشأ عليه المجتمع المكي من عهد سيدنا إبراهيم و إبنه إسماعيل عليهما السلام. و كان هذا الجوار هو المرتكز المؤطر و الضابط لكل السلوكيات و الأخلاقيات، على مدى التاريخ المكي.

و الحج ، قبل منافعه الإقتصادية، كان القناة الرئيسة و صلة الوصل بين من شرفهم المولى بجوار بيته و بين ضيوف بيته و قاصديه. لخدمة الحجاج و تعريفهم بما عليهم تجاه هذا البيت العتيق. و هو إمتداد لدعوة سيدنا إبراهيم. 

و الثابت الثالث ، هو أهل مكة، و هي مجموعة العلاقات التي نشأت بينهم على إختلاف مشاربهم و ثقافاتهم.  و هو نسيج إجتماعي فريد بين السكان العرب من قبائل الحجاز و بين سكان من كافة العالم الإسلامي الذين القى فيهم لهم المولى جل و علا، محبة و عشق هذا البيت و هذا الجوار فترك أغلبهم الجاه و النفوذ في بلادهم الأصلية و أستبدلوها بغنى النظر للكعبة المشرفة و التمتع بجوارها.

تلك هي ،في رأيي كمكي معاصر، الثوابت الأساسية التي أرها بلورت الهوية المكية أو بلورها هذا الجوار العظيم.      

الآن كثير من شباب و شابات مكة يسمعون عن عادات و سلوكيات جميلة. و لكن مع إختلال و تغير الدوافع و الأسس التي قامت عليها تلك السلوكيات، أصبحوا لا يرون منها الإ رسوما باهته لا تمت للواقع المعاش بصلة.. فعادات المجتمع المكي و تقاليده هي أمور تطورت ضمن الثوابت الثلاث السابقة. و أملى تطورها إحتياجات الناس و البيئة. الخطير في الموضوع أن التطور في المجتمع المكي لازال و سيستمر بالحدوث و لكن في معزل كبير عما سبقه. بل أن هناك فهما مغلوطا (وجد سهوا أو قصدا) لكثير من العادات، مما أدى إلى حالة من الضياع عند كثير من شرائح الجيل المكي الجديد. فلا هو قادر على تبني عادات و تقاليد معلبة و دخيلة. و لا هو بمستطيع (نسخ و لصق) عادات تقاليد مكية صميمة.

الدعوة الآن هي للشباب المكي في مكة هي لفهم و تطوير العادات القديمة بل و إستنباط عادات جديدة تتسق مع الوضع الفريد لمكة المكان و المكانة. فهي بيت الله للناس. و فمجتمع مكة هو مجتمع يجب أن يحتوي كل الثقافات ولا تحتويه ثقافة أحد. ليس تعصباً لأهل مكة و لكن مراعاة لفرادة هذا البيت و إحتراما لجواره.

في العالم مدن كثيرة عريقة و قديمة.و لكن ليس لأي منها من له شبه مما لدى مكة من الجوار. كلها تجمعات حضرية حددها و أنشأها ألإنسان و لكن مكة حددها المولى و أنشاءها أبو الأنبياء. فهل يعي الجيل المكي هذا؟ أتمنى جدا..بل يجب عليه ان يعي.   

و ربما لنا عودة مع شيء من التفصيل.

قبلة الدنيا 1435/11/22هـ