الحكومة وتعويض خسائر قرارها تخفيض أعداد الحجاج
لقد أوقع قرار تخفيض أعداد الحجاج القادمين من الخارج بنسبة 20% بحجة مشروع توسعة المطاف خسائر كبرى مباشرة على الأهالي والمستثمرين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، تراوحت بين خسارة كاملة وخسارة جزئية، وجميع هذه الخسائر تجتمع لتكون خسارة كبرى للاقتصاد الوطني..وهذه الخسائر تضاعفت في العام الثاني لتطبيق القرار بشكل كبير..
وأذكر هنا مثالا للتوضيح، ذكره لي أحد المستثمرين العقاريين، وهو أنه في العام الأول لتخفيض أعداد الحجاج طالبته بعثة الحجاج بتخفيض الأجرة بنسبة 20% من أجرة العام ما قبل التخفيض وكانت الأجرة 24 مليونا، وبعد مفاوضات استقر الأمر على تخفيض 10%، وأما في هذا العام وهو الثاني للتخفيض عرضت عليه البعثة التخفيض إلى 10 ملايين أي بنسبة تفوق 58%.
وهذا في نظري مثال للقوة التي تتمتع بها البعثات نتيجة تمكينها على مدى ربع قرن من خلال ما عُرف بضوابط الإسكان التي جعلتها في موقف تفاوضي أكبر من ملاك العقارات وبالأخص عندما تم حظر استئجار وتأجير العقارات على مؤسسات الطوافة.
فمؤسسات الطوافة يمكنها ككيانات اقتصادية وطنية كبرى إحداث موازنة لقوة التفاوض الراجحة حالياً لصالح البعثات ككيانات خارجية.
الخسائر المباشرة لقرار التخفيض تتمثل في عدم بيع سلع وخدمات كل القطاعات التي تخدم الحجاج بنسبة تخفيض أعداد الحجاج وهي 20 %، ومنها خدمات السكن والإعاشة والنقل والمحلات التجارية وخدمة دفع الكراسي المتحركة والحلاقة وحمل الحقائب و...وهذه فقط تُقدّر بالمليارات.
وأما الخسائر غير المباشرة تتمثل في انخفاض أسعار ما يتم بيعه من سلع وخدمات بسبب تراجع الطلب وتحسّن الموقف التفاوضي لمشتري السلع والخدمات، وهذه الخسائر تضاعفت في العام الثاني بشكل كبير بفعل ضغوط البعثات وكذلك بفعل زيادة المعروض في بعض القطاعات مثل قطاع الإسكان..والخسائر غير المباشرة أيضاً تُقدر بالمليارات..ومتوقع أن تزيد الخسائر في السنة المقبلة فيما لو استمر التخفيض.
وطوال الفترة الماضية ظل المسؤولون وهم على علم بخسائر الاقتصاد الوطني جراء تمكين البعثات من التحكم في أسعار تأجير المساكن وابتزاز الملاّك ويستمعون لآثار أخرى تتعلق بعلاقة مقدمي الخدمات للحجاج، وهم يعلمون بآثار التخفيض والخسائر الكبرى للاقتصاد الوطني ولم يحركوا ساكنا حتى الآن ..وفي رأيي، إنه يجب على الحكومة باعتبارها صاحبة قرار التخفيض تعويض المتضررين وفق آليات – ممكنة ومتاحة - لمعظم القطاعات، فالتعويض حق مكتسب باعتبار أن الضرر مترتب على قرار حكومي بتخفيض العدد وليس انخفاضا بفعل قوى السوق.
والتعويض يحقق أكثر من أثر على الاقتصاد الوطني والمستثمرين في قطاعاته المختلفة، فهو يزيد من حجم الطلب الكلي ويسد فائض العرض، وبالتالي يوقف تدهور الأسعار، ويمنع تراجع حجم المبالغ التي تُضخ من خارج الاقتصاد الوطني، التي تتميز عن الأموال الموجودة داخله أصلاً، بأنها تحقق أثر المعجّل الذي تُحدثه الأموال التي تضخها الحكومة في الاقتصاد، والأهم أنه يعطي مصداقية وموثوقية أكبر لدى عموم المستثمرين للاستثمار في المكتين.
ولذلك فإنني أدعو غرفة مكة لتبني المطالبة بالتعويض ووضع الآليات المناسبة وأدعو كذلك أمانة العاصمة ووزارة الحج وهيئة السياحة إلى التعاون مع الغرفة بتزويدها بالمعلومات عن معدلات الإيجارات في السنوات السابقة للتخفيض وعن حجم العرض من طاقة الإسكان وطاقة النقل وطاقة الإعاشة بناءً على العقود الموقعة والمصادق عليها ورخص البناء والإسكان وما إلى ذلك.
صحيفة مكة 1435/11/20هـ