ألعاب نارية في مشعر منى

أذكر أنني استمعت إلى محاضرة عرض فيها صاحبها لأمثلة مختلفة من كتب رحلات الحج، أبان فيها معالم استوقفته في تلك الكتب، وكان يعنى بما يراه غريبا أو عجيبا، ومقياس الغرابة والعجب اختلاف ما بين ثقافة عصرنا هذا وذلك العصر الذي عبر فيه أصحابه عن مجتمعهم وثقافتهم، مما يقترب من تفكيرنا أو يختلف عنه.


قاس المحاضر أفكار تلك الحقب بمقياس الفقه اليوم، وربما حسبناه فقيها يصدر في قراءته لتاريخ الحج ورحلاته عن رأي في الدين يجاوز به فسحة الاختلاف، فيحكم على تاريخنا بالبدعة والخروج، ويصادر على رأي هذا الرحالة أو ذلك، وإن كان في الرحالين العالم والمحدث والفقيه، لكنهم، كذلك، يستجيبون إلى عصر ما رأى فيه علماؤه ومثقفوه ما يراه هذا الرأي الفقهي أو ذلك مما يروج اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية.


سرد المحاضر جملة مما قرأ، وعرض علينا جوانب من احتفال حجاج بيت الله بعيد الأضحى المبارك، وكان مما دهش له أن القائمين على أمر الحج، وأن الحجيج احتفلوا بالعيد المبارك في مشعر منى احتفالا عظيما ضربت فيه الأبواق، وعزفت فيه الموسيقا، ورأى صاحبنا المحاضر في هذا الاحتفال خروجا على الدين، وجعل يكرر على مسامعنا عبارات البدعة والضلالة والخروج.


وحين انتهى الحديث إليَّ قلت للمحاضر: إن ما عددته بدعة وخروجا كان أمرا معتادا ومألوفا في تاريخ الحج، في القرون الماضية، ولقد نقل إلينا الرحالون المسلمون طرفا من احتفالات يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك، وأطرف ما في تلك الاحتفالات أن الحجيج أطلقوا في سماء المشاعر المقدسة ألعابا نارية، كنا نظنها من إبداع عصرنا، فإذا بنا نقف على أمثلة كثيرة لها، فيما تحدر إلينا من كتب رحلات الحج، وقلت له: إن العلامة عبدالهادي التازي أورد في كتابه البديع «رحلة الرحلات: مكة المكرمة في مئة رحلة مغربية ورحلة» أوصافا مدهشة لتلك الألعاب النارية، وتمنى أن يعاد الاحتفال بالحج على ذلك النحو البديع الجميل، وأنه ليس من العلم في شيء أن يكون كل همنا أن يبدّع تيار حديث تاريخ الأمة كله.

صحيفة مكة 1435/11/18هـ