أنا وقبلة الدنيا !

قبل أيام قلائل أكملت 11 عاما منذ انضمامي لموقع قبلة الدنيا، أي أنني انضممت للموقع وعمري 15 عاما.

وما يجعل هذه الأحد عشر عاما استثنائيةً بكل المقاييس بالنسبة لي أمران، الأول أنها جاءت في فترة عمرية مهمة جدا، وجوهرية في تشكيل شخصية الإنسان، بل إنني أظن أنها الأهم على الإطلاق (لذلك أنا ضد أن يتزوج الشاب قبل إتمام الخامسة والعشرين من عمره!). وبالنسبة لي شخصيا كانت هذه السنوات هي بداية تبلور الاهتمامات الثقافية والدخول لعالَمَي القراءة والكتابة.

الاعتبار الآخر هو طبيعة موقع قبلة الدنيا نفسه، فقد كانت منتديات مكاوي مكانا استثنائيا بامتياز على الشبكة العنكبوتية، فنوعية الطرح كانت مختلفة تماما عن معظم ما يتواجد في المنتديات والمواقع العربية آنذاك، ويعود ذلك لطبيعة المستوى العُمُري والفكري والثقافي لمعظم الأعضاء، فقط كان معظمهم من الكبار سنًا وثقافةً، فمنهم كتاب ومثقفون وأكاديميون، رجالا ونساء، وكنا نحن الشباب الفئة الأقل (على عكس ما هو سائد في أماكن أخرى آنذاك).

فلاشك بأن هذا المستوى المرتفع في الطرح للمواضيع الفكرية والاجتماعية كان له أثر بالغ على رفع مستوى وعي وثقافة الشاب المتابع والمتفاعل مع هذه الأطروحات، وخصوصا بأن معظم تلك الأسماء البارزة كانت تتمتع بتفاعل قوي وصادق مع الجميع، مما أزال عن الأيادي الصغيرة المرتعشة حرج التخاطب مع الكبار والدخول في مناقشات جادة مع أرباب الفكر والقلم.

مما تميز به الموقع عن غيره أيضا، وكان له الأثر البالغ في الشباب المنتمين له، اللقاءات الشهرية التي كانت تقام بين الأعضاء، فكانت توفر فرصة ثمينة للتعارف المباشر وإقامة علاقات وصداقات قيمة مع أطياف مختلفة من أبناء المجتمع المكي، وكذلك اللقاءات الرياضية التي كانت تُضفي جوا جميلا من الألفة والمحبة بين المشاركين.

بدايتي الإدارية في الموقع كانت الإشراف على القسم الرياضي (البرحة) وهنا أحب أن أشير إلى نقطة تأثير شغفي الشديد بكرة القدم على تكويني الفكري والثقافي، نعم لا يوجد ارتباط مباشر بين الاثنين، ولكنني اعتقد أن حبي الشديد للكرة كان دافعا قويا للقراءة الغزيرة في المواضيع والمقالات الرياضية، مما قوَّى كثيرا من حصيلتي اللغوية، وعودني على القراءة المطولة للمواضيع التي أهتم بها، وأيضا كان الدخول في النقاشات و(المنكافات) الرياضية المحمومة التي كانت تعجّ بها ساحة البرحة دور في تقوية الجانب النقاشي والجدلي عندي (لست متأكدا من أن الأخيرة هذه تعد إيجابية فعلا!).

لا أبالغ عندما أقول بأن الانتماء لهذا الصرح والمساهمة في إدارته في مجالات مختلفة لعدة سنوات قد ساهم وبوضوح في تقوية الانتماء المكي في هُويَّتي، ليس لأنني كنت بعيدا عنه، ولكن لا يخفى على المتابع الحصيف بأن مكونات الهوية المكية قد ضعفت وتماهت مع غيرها كثيرا منذ سنوات أو ربما عقود، هذا بالطبع لا يعني بأن رسالة الموقع يجب أن تقف ضد التطور والتقدم الطبيعي للمجتمعات، ولكن هذه المفاهيم التقدمية لا تتعارض مطلقا مع حق المجتمع في المحافظة على مكونات ثقافته ومحددات هويته الرئيسية. فمن حقنا بل واجبنا أن ندافع على مكة شكلا وموضوعا، أي ألا تكون مكة مسخا مشوها لمدن حديثة من نتاج الحضارة المادية الغربية، وألا تفقد مكة ومجتمعها السمات الاجتماعية والثقافية السائدة عبر القرون، والتي كان التنوع والتفتح والأصالة من أبرزها.

لعل هناك من (كُتّاب قبلة الدنيا) من هو أكفأ وأحق مني بمناقشة هذا الموضوع الشائك.


أخيرا اسأل الله تعالى أن يوفق القائمين على (قبلة الدنيا) في الخطوات التطويرية القادمة، ومواكبة التغيرات السريعة والمتلاحقة في الفضاء الإلكتروني.