أم الخلاخل!
شكا الناس في أم القرى سنوات طويلة من الأوضاع المزرية التي كان يعيشها مستشفى النساء والأطفال والولادة بحي جرول بمكة المكرمة فلم يلتفت لشكواهم أحد حتى زار المستشفى وزير الصحة الأسبق الدكتور حمد المانع فهاله ما رأى، وسعى إلى اعتماد نحو ثلاثمائة مليون ريال لبناء مستشفى جديد في بداية حي العوالي وأذكر أن معاليه وصف الوضع في مستشفى جرول بأنه كارثي وأنه لا يصح اعتباره مكانا للتوليد والعلاج ورعاية الأطفال والنساء.
وبعد عدة سنوات صرفت ما بين ملاحقة اعتماد التكاليف ووضع التصاميم وترسية المشروع وتنفيذه، قام المبنى الحديث في العوالي كأحسن ما يكون روعة وتصميما وسعة، ولكن الخدمات الصحية التي يقدمها المستشفى لم تتحسن كثيرا، فلم تزل الصحف المحلية تنقل شكاوى ومعاناة من تعاملوا مع المستشفى بعد تطوير مبناه وجعله تحفة معمارية وقد لا يمر أسبوع إلا يكون في إحدى الصحف شكوى أو عدة شكاوى من الاهمال أو عدم دقة التشخيص أو إعطاء علاج يحصل من ورائه مضاعفات خطيرة للطفل أو المرأة بعد تناوله، وأصبحت إدارة المستشفى وعلاقاتها العامة مشغولة بالرد على الشكاوى وتفنيدها أو تبريرها، ولو أنهم واجهوا الحقيقة لقالوا إن المستشفى تطور من حيث المبنى وفخامته ورخامه ولكنه لم يتطور من حيث الامكانيات الطبية والبشرية فهو مثل «أم الخلاخل»، وحتى لو وجد أطباء استشاريون على مستوى لا بأس به من العلم فإن من يساعدهم في عملهم من أخصائيي مختبرات وممرضين وممرضات ليسوا في المستوى نفسه، وقد زرت المستشفى ذات ليلة فلاحظت أن معظم من كانوا في مستشفى جرول نقلوا إلى المبنى الجديد ولست أدري إن كانوا قادرين على التعامل مع الأجهزة الطبية والعلاجية الجديدة التي زود بها المستشفى أم أنهم غير قادرين وغير مؤهلين، والتمريض قائم على مستقدمات من جنوب آسيا اللائي لم يشهد لهن بالمهارة مثل المستقدمات من جنوب شرق آسيا، أما الممرضات السعوديات فلعلهن مثل زميلاتهن العاملات في المستشفيات الأخرى يفضلن العمل الإشرافي أو الإداري، لأن بعضهن يستنكفن عن خدمة المرضى وتركن المهمة للمرضة الآسيوية مع أن راتب الممرضة السعودية يبلغ ثلاثة أو أربعة أضعاف راتب الممرضة الآسيوية!
وبناء على ما تقدم ذكره فإن المرجو من المسؤولين في وزارة الصحة وقد صرفت مئات الملايين على إنشاء المباني الجديدة لمستشفى الولادة والأطفال والنساء بالعاصمة المقدسة، إجراء تقييم دقيق وأمين لمستوى ما يقدم فيها من خدمات ومستوى العاملين فيها وأن تعتمد لها ميزانية مناسبة تمكن إداراتها من التعاقد مع خبرات طبية وتمريضية أرقى وأن يختار لها كادر إداري فعال، وإلا تحول المستشفى مع مرور الأيام إلى نسخة مكررة من المستشفى الجرولي القديم!
عكاظ 1435/11/8هـ