المطوفون واستعداداتهم

آثار الإخوة الزملاء في موقع قبلة الدنيا الاليكتروني إشجان الماضي وذكرياته ، حينما طلبوا مني  الكتابة عن استعدادات المطوفين في الماضي ، وكأنهم أردوا من خلال دعوتهم هذه إرسال رسالة لأبناء الجيل الحالي تحكي قصص آبائهم ، الذين عبروا الأودية والشعاب وجابوا البحار والقارات ، موجهين دعواتهم لسكان تلك الأقطار بأداء فريضة الحج لديهم ، عبر دعاية محدودة مرتبطة بكرت يحمل اسم المطوف وعنوانه في مكة المكرمة وعرفات ومنى .


وان كانت هذه الزيارات شكلت دعاية للمطوفين ، فإنها في الوقت نفسه بنت علاقات أسرية مع بعض الحجاج ، فكم من مطوف أو ابن مطوف تزوج بأخت حاج أو ابنته .


ومع إطلالة شهر رمضان المبارك يكون أكثر المطوفون الذين جابوا الأرض شرقا وغربا ، وشمالا وجنوبا ، يبثون دعاياتهم قد عادوا إلى مكة المكرمة لقضاء الشهر الكريم وعيد الفطر المبارك بين أسرهم ، استعدادا لموسم الحج القادم الذي تكون بدايته مع نهاية عيد الفطر المبارك المعروف بأربعة أيام ، فتبدأ زوجة المطوف وبناته في إعادة ترتيب منزلهم بشكل يختلف عما هو عليه ، استعدادا لاستقبال زوجات الحجاج ، فيما يقوم المطوفون بتنظيم مكاتبهم ومجالسهم الخارجية التي تعرف بالبرزة وتزيينها ووضع لوحاتهم وإعلام دول الحجاج عليها ، وكانت شوارع مكة المكرمة وطرقاتهم تزدان باللوحات المعروفة بـ " اليفت " وهي مصنوعة من القماش مكتوب عليها اسم المطوف .

 
وشكل  نظام السؤال عن المطوف الذي كان معتمدا في السابق تنافسا قويا وشريفا بين المطوفين ، الذين وجدوا فيه مكانا لترسيخ أسمائهم بعيدا عن أي كسب مادي ، إذ كان المطوف يسعى لجعل اسمه محفورا بذهن الحاج لينقله لأسرته وأقاربه وأصدقائه ، وهذا الأسلوب هو الذي جعل زوجات المطوفين وبناتهم ، يعملن على بناء علاقات جيدة مع زوجات الحجاج ، وكم من قصة رويت وموقف حدث بين زوجة مطوف وزوجة حاج .


ولم يكن المطوفون وحدهم من يضعون استعداداتهم لاستقبال الحجاج ، إذ كانت زوجة المطوف وبناته يضعن استعداداتهن والمتمثلة عادة في طلبات البيت من مأكولات لتقديمها كوجبات ضيافة أولى للحجاج لحظة وصولهم إلى مكة المكرمة .


فيما يكون المطوف قبل هلال شهر ذو القعدة قد أنهى كافة استعداداته من طباعة الكروت ـ بطاقات التعريف ـ وعين موظفيه وعماله وجهز خيامه ، وشغل هاتفه ، واستعد لاستقبال الحجاج .


وقبل أن يصل الحجاج إلى مطوفيهم يكون مراسلو البرقيات قد استعدوا لاستلام برقيات مكتب الوكيل المرسلة بشكل يومي والتي تحمل البشرى للمطوفين ، إذ كان كل وكيل يبعث ببرقيات لمطوفيه يخبرهم فيها بأعداد الحجاج القادمين وجنسياتهم ، وكان مضمون البرقية مختصرا يتضمن مايلي " لكم على الباخرة ... القادمة من .... عدد .... حجاج توجهوا لكم " أو بصيغة أخرى " لكم على الطائرة ... القادمة من ... عدد ... حجاج توجهوا إلى المدينة المنورة " ، وكانت هذه البرقيات بمثابة إشعار للمطوفين للاستعداد لاستقبال الحجاج ، فيبدأ المطوف أولا بتدوين اسم المراسل الذي حمل له البرقية باعتباره حامل البشرى ، لتكون إكراميته في نهاية الموسم مضاعفة ، لكونه حمل البشرى .


أما زوجة المطوف وبناته فتكون استعداداتهن قد وصلت لأعلى درجاتها وبدأن في إعداد وتجهيز وجبات الضيافة التي كانت تعد داخل منزل المطوف .


وتختلف نوعية الوجبة المقدمة بتوقيت وصول الحجاج وجنسياتهم ، فالأتراك مثلا يفضلون تناول الشوربة والفاصوليا ساعة قدومهم نهارا أو ليلا ، أما فجرا فيفضلون وجبة إفطارهم مليئة بالجبن والزيتون والزبدة والبيض ، وكان اختلاف أذواق الحجاج سببا رئيسيا في تعلم الكثير من زوجات المطوفين لأكلات الشعوب .


رحم الله أبائنا الذين ربونا على خدمة ضيوف الرحمن ، وحفظ الله أمهاتنا اللواتي كن خير سند لآبائنا في أعمالهم .


وفي الحلقة القادمة سأتحدث بإذن الله عن اللحظات الأولى لوصول الحجاج ، وكيف كانت تتم ، ومن كان يتولى تطويف الحجاج وسعيهم .

1435/11/8هـ