الحصول على ماء زمزم.. بين أزمة وتأزم!

 

زمزم حرفان مكرران لأنقى ماء وأعذبه، نبع بواد غير ذي زرع عند المسجد الحرام من تحت أقدام الرضيع إسماعيل عليه السلام؛ يوم وضعه والده الخليل عليه السلام بصحبة والدته وتركهما، وهو ما أشارت إليه المراجع التاريخية والتي أجمعت في مجملها على أن أول من أظهر ماء زمزم جبريل عليه السلام لسقيا إسماعيل وأمه، ثم حفر البئر إبراهيم عليه السلام. وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم»، وثبت عنه أن «زمزم لما شرب له».


ومن هنا جاء حرص المسلمين على هذا الماء المبارك، ويعد مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا «زمزم» من أعظم المشروعات التي تهدف إلى ضمان نقاء مياه زمزم بأحدث الطرق العالمية، وقد قام رعاه الله بتدشينه في شهر رمضان لعام 1431هـ بتكلفة إجمالية بلغت 700 مليون ريال، والمشروع يتكون من مصنع للتعبئة، ومستودع عبوات المياه الخام، ومبنى خطوط الإنتاج، ويعبأ ماء زمزم آليًّا في عبوات سعة 10 لترات، باستخدام تقنيات ونظم آلية حديثة ومتكاملة تشمل نقل عبوات ماء زمزم، وتخزينها، وتوزيعها، كما يتم تنقية الماء دون التأثير على خصوصيته وطعمه.

وحظيت شركة المياه الوطنية بشرف إدارة وتشغيل مشروع سقيا ماء زمزم وتوزيعه بصورة تقنية حديثة، ويشتمل المشروع على أربعة خطوط إنتاج بمصنع التعبئة بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ألف عبوة يوميا، كما تبلغ الطاقة القصوى لتخزين العبوات في المشروع حوالي مليون وثمانمئة ألف عبوة. والمشروع ينتج حالياً عبوات ذات سعة 10 لترات يتم توزيعها وأخرى بسعة 5 لترات مخصصة للنقل الجوي.

سقت المقدمة السابقة لتكون مدخلا على ما طرأ على هذا المشروع العملاق الذي يعد مفخرة من مفاخر هذه البلاد وقادتها أيدهم الله، فبحسب ما نشر في صحافتنا قلص القائمون على المشروع صرف عبوات ماء زمزم للمستفيدين، وتحديدها بعبوتين فقط لكل فرد في كل 10 أيام، وكان مبرر ذلك القرار محاربة السوق السوداء.

وصدر تعميم يلزم إمارات المناطق ووزارات التجارة والصناعة والمياه والكهرباء والشؤون البلدية والقروية بجانب رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والأمن العام، بضرورة متابعة تطبيق الأمر السامي الذي بموجبه يمنع بيع ماء زمزم، لكن واقع الحال يؤكد وجود هذه السوق بل وانتشارها في معظم مدن المملكة، وبات سماسرتها يبالغون في الأسعار حتى بلغت أضعافا مضاعفة، دون حسيب أو رقيب، مع الإقرار التام بتلاشي ظاهرة بيعه في عبوات خاصة مجهولة المصدر.

ونشرت بعض الصحف منع صرف العبوات إلا في وقت متأخر من الليل، وهو ما أدى إلى تكدس الناس في الطوابير لساعات طويلة على منافذ البيع، وعزي ذلك لتسرب الموظفين في الدوام المسائي، حيث لا يوجد إلا 5 موظفين، رغم وجود نحو 10 واجهات للتوزيع، مطالبين بزيادة الموظفين، خاصة في أوقات الذروة، وزيادة حراس الأمن لتسهيل الصفوف منعا للتزاحم.

ونشرت صحيفة البلاد في عددها الصادر الخميس الماضي أن إجمالي ما تم إنتاجه بلغ أكثر من 72 مليون عبوة، وصرح مدير المشروع أن الخطط تهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية بنسبة 50%، وزيادة عدد مقدمي الخدمة 150%!

تناقض واضح، فالجميع يشعر بعدم وفرة هذه العبوات، بل إن السوق السوداء اتسعت رقعتها؛ فباتت العبوات تباع في مكة بعشرين ريالا، وفي بعض المدن وصلت لأكثر من ثلاثين ريالا!


وعليه فإن المطالبة بتكثيف نقاط البيع مما يكمل عقد هذا المشروع ويضاعف فائدته، ويمتد ذلك إلى تخصيص عبوات لنقاط البيع خارج مكة المكرمة - بعد إيجادها وقد باتت ضرورة ملحة - ويتم تحميل المشتري تكلفة النقل إلى تلك الأماكن بحيث تصبح من ثمانية إلى عشرة ريالات؛ فالجميع يشاهد هذه العبوات في بعض مراكز التسويق وبأسعار متفاوتة، وقد حدثني من أثق بصحة قوله أنه اشتراها بخمسة وثلاثين ريالا!، ووضع التسعيرة على العبوة يمثل ضربة قاضية للسماسرة؛ إذ المحلات التجارية لا يمكن أن تبيع بسعر أعلى.
وبعد ذلك يأتي دور وزارة التجارة الهام للضرب بيد من حديد على أيدي كل من يعبث فيرفع الأسعار، وحينها ينعم المرء بزمزم.


إن أمنية الجميع توفر هذا الماء المبارك في كل الأرجاء وبتنظيم متقن، خلافا لمن طالب بمنع تزويد المدينة المنورة به، في مطالبة عجيبة؛ إذ زوار المسجد النبوي يتوقون لهذا الماء والمسجد له قدره ومكانته، وتزويده بهذا الماء من المكارم التي عودت حكومتنا الزوار عليها. فهل تتحقق المطالب ويحصل الجميع على ماء زمزم بكل يسر وسهولة وبأسعاره الحقيقية؟   

المصدر : صحيفة مكة 1435/9/11هـ