في رثاء السيد العطاس

فقدت العاصمة المقدسة أحد رجالاتها الذين كانت لهم صولات وجولات في ميادين العمل الإداري والمالي والاجتماعي، ذلكم هو السيد أمين عقيل عطاس ـ رحمه الله ـ الأمين العام المساعد للشؤون المالية والإدارية برابطة العالم الإسلامي سابقا ووكيل وزارة الحج والأوقاف لشؤون الأوقاف في عهد الوزير الراحل عبدالوهاب عبدالواسع رحمه الله، حيث كان العطاس قبل ذلك مديرا عاما لمصلحة الزكاة والدخل بوزارة المالية، وجاء رحيله بعد حياة حافلة بالعمل والعطاء والحضور الاجتماعي والخيري القوي والفعال في ميادين شتى حتى غدا على مدى نصف قرن أحد أبرز نجوم المجتمع المكي المشهود لهم بالكفاءة العالية والمشاركة الفعالة في الحياة العامة.

لقد كان السيد العطاس مديد القامة فاره الطول مهابا حاد الذكاء سريع البديهة دقيقا في تعامله المالي واسع الاطلاع والعلاقات قويا صلبا في مواقفه من الحق العام ومن الحق الخاص حتى إنه رفض تعويضا لعقار له وظل ينافح عن حقه وحق أسرته في تعويض عادل أكثر من عقد من الزمن حتى انتصر في نهاية الأمر وحصل على تعويض مناسب، فيما استسلم غيره لما قدر لعقاراتهم من أثمان لأسباب تخصهم وترتبط بهم.ونشأ بينه وبين وزيره عبدالوهاب عبدالواسع خلاف في وجهة نظر تخص العمل فأصر السيد العطاس على رأيه وانتهى الأمر بصدور توجيه بالاستفادة منه في رابطة العالم الإسلامي أمينا عاما مساعدا للشؤون المالية والإدارية فساهم بخبرته وعلمه ودرايته في وضع ضوابط مالية ولوائح جديدة لم تزل الرابطة تعمل بها حتى تاريخه.وقد مد الله له في العمر وبارك في صحته حتى جاوز الثمانين ولكن لأنه «لكل أجل كتاب» فقد هاجمه المرض الخبيث وألزمه الفراش ثم السرير الأبيض حتى وافته المنية في هذا الشهر الحرام «رجب الفرد».وكان للسيد العطاس دور في العديد من الإنجازات والأعمال الخيرية البناءة فقد عمل مشرفا على إنشاء مباني مدارس الفلاح التي تبرع بأرضها الشيخ إبراهيم الجفالي رحمه الله ودفع ثمنا لها مبلغ ثلاثين مليون ريال وهو ما يعادل مبلغ ثلاثمائة مليون ريال في الوقت الحاضر فعمل السيد العطاس على توظيف ما قدم من تبرعات لإكمال المباني والأثاث والأجهزة حتى غدت الفلاح ذات مقرات مدرسية بديعة، وأصبح طلابها يحققون مراكز متقدمة في سلم النجاح والتفوق على مستوى المملكة في مجالات العلم.وأشرف على الجمعية الخيرية بالعاصمة المقدسة وهي جمعية أهلية ترعى الأرامل والفقراء ورأس مجلس إدارتها حتى وفاته فأنجزت الجمعية العديد من الأبراج السكنية الخيرية في أم القرى تقدر قيمتها بعشرات الملايين وتحتضن مئات الأسر المستحقة للسكن الخيري.وقد زاملته رحمه الله في الرابطة وكانت تربطني به علاقة مودة قبلها وسافرنا في رحلات عمل عدة مرات فوجدت في صحبته من الخلائق ما يثلج الصدر ويسر الناظر.

وها هو «السيد» يفارقنا إلى دار البقاء ويسبقنا إليها! محققا قول الله عز وجل «كل نفس ذائقة الموت» وقول الشاعر «كل ابن أنثى وإن طالت سلامته، يوما على آلة حدباء محمول» فلا نملك إلا أن ندعو له بأن يتغمده الله برحمته وعفوه وواسع فضله وأن يلهم آله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

عكاظ /  الخميس 23/07/1435 هـ