فشل تنمية المدن الصغيرة إلى متى؟

الملاحظ للمراقب لأوضاع التنمية في بلادنا أن هناك فشلا لا تخطئه العين في مدننا الرئيسة قبل مدننا الصغيرة وبالتالي من باب أولى أن يكون الفشل هو نصيب الريف والقرى والهجر. فالهجرة الكثيفة للمدن هي دليل فشل برامج التنمية في الريف والقرى والهجر التي وعينا على مفهوم توطين الهجر الذي أطلقه وتبناه –كما أذكر- الملك فيصل رحمه الله. وانتشار العشوائيات في المدن الرئيسة هو مؤشر على فشل التنمية في تلك المدن. بقاء أو حتى ثبات مستوى المعيشة في المدن الصغيرة أيضاً دليل على فشل برامج التنمية. وهذا الفشل الظاهر يجعل الإنسان يشك أصلاً في وجود رؤية أو برامج و خطط حقيقية للتنمية.


قبل أسابيع حضرت لقاء معالي أمين مدينة جدة الدكتور هاني أبو راس على طاولة الحوار الأكاديمي الذي تقيمه كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز، وتحدث فيه عن رؤية الأمانة لجدة حتى عام 2033، واستمعت في بداية حديثه إلى رؤية لتنمية وتطوير المدن الصغيرة المحيطة مثل الليث والقنفذة في جنوب جدة وذهبان وثول في شمالها بهدف إحداث هجرة عكسية من مدينة جدة لتلك المدن، وفي آخر حديثه ذكر أن عدد سكان جدة سيتضاعف عام 2033 ويقترب من سبعة ملايين نسمة؛ فأبديت ملاحظتي حول تعارض أول الحديث مع آخره، وسألته عن تنمية المدن الصغيرة القريبة من جدة مثل الجموم وأم السلم وبحرة وحداء شرق جدة وأثره في تخفيف الضغط على مدينة جدة وذكرت أن مدينة كفرانكفورت في ألمانيا عدد سكانها حوالي سبعمئة ألف فقط، وأن كبرى مدن ألمانيا وهي برلين وصل تعداد سكانها حوالي ثلاثة ملايين، بينما جدة ستقترب من السبعة ملايين، فبادرني بأن الجموم وبحرة لا تتبع محافظة جدة –وهو ما أعرفه ولكني كنت أتحدث بصفة العموم- وأن الواقعية تقتضي أخذ الهجرة إلى جدة في الاعتبار.


كنت في طفولتي أدرس في مدارس الثغر النموذجية بجدة، وكنت على مدى خمس سنوات أذهب إلى جدة في بداية الأسبوع وأعود منها في نهايته، فأمر على المدن الصغيرة التي تقع على الطريق القديم، وهي حداء وبحرة وبحرة المجاهدين وأم السلم، وعندما أمر الآن وبعد حوالي أربعين سنة أجد أن وضع هذه المدن كما هي دون تطوير يُذكر، وكأنها على قول المثل (حطت إيدك).


الجموم -أو وادي فاطمة كما تعودنا في مكة على تسميته- والذي يعتبر سلة مكة الغذائية تعرض لإضرار تنموي كبير عندما قررت مصلحة المياه سحب مياهه إلى جدة، فجفت مزارعه وانصرف أهله عن الزراعة وتوقفت تنميته وهجره كثير من أهله إلى مكة وجدة لشح فرص العمل والتكسب.


وأتساءل وأنا في غاية الدهشة عن خطط أمانتي مكة وجدة للتنمية في كل هذه المدن المحيطة بهما بما يسهم في إيقاف الهجرة إليهما، بل وتحويل الهجرة منهما إلى المدن المحيطة بهما، والاستفادة من المزايا النسبية لكل مدينة والتي يمكن أن تدعم التنمية فيها، مثل الجموم في مجال الزراعة والصناعات الغذائية؟


إن الملاحظ هو أن أمانة العاصمة المقدسة وأمانة جدة هما أقرب إلى المتفرج في قضايا التنمية الحقيقية للمدن الصغيرة المحيطة بمدينتي مكة المكرمة وجدة، وإلاّ بم نفسر بقاء أوضاعها كما هي منذ أكثر من أربعين عاماً، وعدم الاهتمام بالمطالبة بتوسعة وتطوير شبكة الطرق المؤدية لها، ولا بجذب الاستثمارات التي تخلق فرص العمل والتكسب لسكانها، وليس هناك حرص -فيما يبدو- على مرور شبكة السكة الحديد بها.


إن العناية بتنمية الريف والمدن الصغيرة يدعم تنمية المدن الرئيسية والعكس صحيح وهو ما يثبته واقع الحال الآن.. والله أعلم.

صحيفة مكة 1435/6/7هـ