مسؤولــيـة المكــيــين !

يفخر المكيون بأنهم مجاورون لبيت الله الحرام حيث ينعمون بمضاعفة الحسنات وأن صلاتهم في الحرم بمائة ألف صلاة في غيره وأنهم يؤدون نسكهم بسهولة وبمصاريف بسيطة وأن هذه النعمة يغبطهم عليها الكثير من المسلمين، وكل ذلك صحيح، إلا أن هذا الجوار له ثمن يجب أن يدفعه كل مكي حتى يصبح مستحقا لذلك الشرف الرفيع شرف المجاورة والعيش في ظل الكعبة المعظمة، أما إن اكتفى كل مكي بالمفاخرة بهذه النسبة الكريمة وطالب بحقوقه ونسي واجباته فإنه يكون بذلك قد ضيع حقه من شرف المجاورة !؟.


إن المطلوب من كل مكي أن يرى المسلمون منه ما يؤكد جدارته بالانتماء إلى الأرض المقدسة من خلق حميد وتعامل راق وصدق وتواضع ورحمة وخير وبـر ومحبة للناس جميعا وبعد عن القبلية أو الشعوبية وتطبيق قاعدة «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» فعلا لا قولا ولا شعارا يرفع ولا يطبق!.


إن بعض المسلمين إذا ما زارهم أحد المكيين في مدنهم وقراهم وعلموا منه أنه قادم من جوار الكعبة أخذوا يطلبون منه أن يدعو لهم معتقدين أن دعوته ستكون مستجابة لأنه ينعم بالجوار الكريم. وأذكر أن رجلا مكيا ذهب سائحا وباحثا عن عروس من دولة إسلامية فدله أحد أبناء تلك الدولة على قرية يوجد فيها فتيات حافظات للقرآن الكريم ويتحدثـن اللغة العربية وأسرهن ترحب بالقادم من المملكة عموما ليكون بعلا لإحدى بناتها، فذهب إلى القرية ووصلها بعد صلاة العصر وسأل عن إمام جامعها الذي يتوسط في هذه المسألة فأرشد إلى مكانه حيث كان في الجامع يعلم الأطفال القرآن الكريم فلما دخل عليه الرجل المكي وعلم الإمام أنه من أم القرى كبر وكبر معه الصغار والمعلمون من الجنسين وقربه إليه وقدم له بعض الحلوى ثم أخبره أن الغيث قد تأخر هطوله في ذلك العام ودعاه إلى الدعاء بأن ينعم الله عليهم به ليؤمن الصغار والمعلمون على دعائه وكان الرجل المكي من عامة الناس والله عليم بأحواله!، فتردد برهة عن الاستجابة لدعوة الإمام ولكنه استسلم تحت ضغط إلحاحه وتطلع كل من في الجامع نحوه فرفع يديه وناجى ربه قائلا: يا إلهي أنت أعلم بأحوالي وأعمالي ولكن عبادك هؤلاء توسموا في الخير فلا تخيب أملهم ورجاءهم، ثم دعا الله عز وجل أن يغيثهم غيثا غدقا مريئا.. وتفاعل مع الموقف عندما رأى أعينهم تفيض من الدمع ففاضت عيناه وأجهش في البكاء فلم يكمل دعاءه إلا وبدأ صوت الرعد يدمدم والبرق يشق الفضاء فخرج من في الجامع لاستقبال الغيث وهم فرحون مستبشرون وتناسى صاحبنا ما جاء من أجله مع أنه رأى أمامه عشرات الفتيات الحسناوات لأنه خشي أن يزوجوه معتقدين أنه «ولي من الأولياء» وهو أعلم بنفسه فصلى معهم المغرب وأعتذر لهم عن المبيت بوجود مواعيد في عاصمتهم واعدا إياهم بزيارة أخرى عندما تسمح له ظروفه بذلك!.


وعند الإخوة المطوفين مئات القصص الواقعية المماثلة التي تجسد مكانة المكي عند الشعوب الإسلامية وغبطتهم له على المجاورة فكيف لو أنهم وجدوه بعد ذلك على غير ما يرام؟!.

المصدر : عكاظ 1435/5/21هـ