فريد سلامة

لمْ تظفر المكتبة الحجازيَّة بكتابٍ في الأمثال العامِّيَّة يَفُوق «معجم الأمثال الشَّعبيَّة في مدن الحجاز» للمغفور له بإذن الله فريد عبد الحميد سلامة، إحاطةً ورحابةً واستيعابًا لقديم الأمثال وجديدها


حين أبلغتْني ابنتي خالدة بوفاة الأستاذ فريد، وهو أبو صديقتها، ازدحمت الأحزان في صدري، وتأَلَّمْتُ لألم أبنائه وبناته، وأحسسْتُ بحُزْن ابنتي وألمها، وباركْتُ فيها التفافها حول صديقتها مُعَزِّيَةً ومؤازِرةً


لمْ أعرفِ الأستاذ فريد عبد الحميد سلامة تلك المعرفة الَّتي تُخَوِّلني الإفاضة في الحديث عنه، وكلّ ما أعرفه عنه، أنَّه أكرمَني حِين أصدر موسوعته العظيمة تلك بأن زارني في مكتبي في مجلَّة «الإعلام والاتِّصال»، في أثناء رئاستي لتحريرها، وأَفْضَلَ بأنْ آثرَني بنسخة مِنْ كتابه ممهورة بإهدائه


بَهَرَني في شخصيَّة الأستاذ فريد عبد الحميد سلامة أناقة ظاهره في ملبسه، وذوق حجازيّ رفيع، وإحساسٌ بأنَّ إخراجه ذلك العمل الموسوعيّ الفَذّ، إنَّما هو رسالة وَقَفَ نَفْسه على تحقيقها والوفاء بها


والَّذي أعتقده أنَّ تلك الموسوعة الفريدة في الأمثال الشَّعْبيَّة الحجازيَّة، بتنوُّعها وغزارة مادَّتها وجودة إخراجها، تُبَوِّئ فريدًا مكانةً ممتازةً في ثقافتنا، ولا أحسبني مسرفًا حين أقول: وفي المكتبة العلميَّة العربيَّة


حِين تَوَفَّى اللهُ فريد عبدالحميد سلامة أنشأتْ بناته وصديقاتهنَّ «وَسْمًا» في موقع التَّواصُل الاجتماعيّ «تويتر»، وجعلْتُ أتأمَّلُ العبارات الَّتي سَطَّرتْها بناته، وأحسسْتُ بألمهنَّ العظيم لفَقْد أبيهنَّ، وفخْرهنَّ، وحُقَّ لهنَّ أن يَفْخرْنَ، بما أسداه إلى أدبنا وثقافتنا


بَقِيَ أنْ أقول: إنَّ المغفور له بإذن الله فريدًا كابَدَ في حياته ألوانًا مِنَ الآلام، فالأمراض تَكَالَبَتْ على جسده، واضطرَّ -طَيَّبَ الله ثراه- إلى بَتْر ساقه، وأمضَى سنواته الأخيرة مُقْعَدًا، ولكنَّه ضَرَبَ المثل الرَّائع في تَحَدّي الصِّعَاب، ولمْ يُقْعِدْه المرض ولا بَتْر ساقه عنْ رسالته، وكنتُ، مِنْ حِينٍ إلى حِين، أقرأ شيئًا مِنْ أخباره في الصُّحُف السَّيَّارة، محاضِرًا ومشاركًا، فأرى فيه مِثَالًا للرَّجُل المكافِح


قالتْ لي ابنتي خالدة: إنَّ العمَّ فريدًا كان يتحدَّث إلى بناته عصرًا، ثُمَّ نَظَرَ إليهنَّ، وفجأةً مات!رحمه الله

 صحيفة مكة 1435/4/11هـ