صحيفة مكة ..

منذ صدور صحيفة مكة وأنا أرفع حجرًا هنا، وأضع آخر، أدفع عني وحشة غربتي بالحــديث والكتابة عن مكة، لا أملك في يدي بوصلة تُوجّه عشقي لمدينتي التي ولدتُ فيها، كل ما أملكه أن أرفع الأماني والتبريكات لصحيفة مكة وقُرّائها، وما علينا سوى أن نبذر بذور الورد في حقولها. لكنّ الخوف يعتريني بين الحين والآخر عليها، والسبب هو جملة التحوّلات التي طالتها في السابق. فعندما تبدّلت الوسائط باعتبارها الرافعة للإنتاج الثقافي، استتبَّ الضعف في صحيفة الندوة سابقًا (مكة حاليًا) لكن الآمال باقية على صانعي الحرف فيها.


يتوهّج حنين التاريخ في نفوس مَن هاجر من مكة؛ بوصفه حنينًا يكفُّ عن أن يتسرب من خلاله آثار الماضي، بل هو الحنين الذي يُصقل حواس الإنسان بمبردة الجمال، ويُهيّئها لاستعادة الإحساس بالحياة المكّاوية التي اختفى بعضها خلف الجدران الإسمنتية وأحجارها.


ثقتي بمدينتي الذي انفتحت حواسي منذ الصغر على أزقتها وطرقاتها ودكاكينها وحاراتها، تعتبر ريح الحنين والذكريات، لا تحتاج إلى خطابات شفهيّة يسرد تفاصيلها ويفتح أبوابها ويشرع نوافذها.


ما يلفت نظري إيقاع المشي الذي يسير على وتيرة واحدة مهما اختلفت الأقدام بين شاب أو عجوز للذهاب إلى بيت الله، وكأن الأمكنة التي تحتضن تلك الأقدام تسرق منهم بعض الخطوات، أو كأنهم يذرعون الطرقات حتى تبقى ذاكرتهم على اتصال مباشر بتلك البقعة المباركة، الوجوه التي تتدفّق أمامك ملامحها تُذكّرك بوجوه الزائرين التي سكنت معكم في بيتكم المكّاوي، وبيت جيرانكم في حارة المسفلة.


لا يمكن أن أتصوّر تاريخًا بهذه الروعة والجمال، يتدفق في عروقي مثل حُبِّي لمدينتي مكة، دون أن أستحضر آمالهم ومتطلباتهم، والاستحضار هنا، يعني فيما يعني سوى استمرارهم في علاقاتهم الاجتماعية والثقافية والدينية.


مكّتي أيقونة كُلَّما تأمّلها العابرون تزداد توهّجًا ونورًا، تمد زائريها بالروحانية لينتمي إلى حاضره بالقدر الذي يتعايش مع تاريخه بشكل يومي.

المدينة 1435/3/22هـ