حراء.. الندوة.. مكة

«وقع الاختيار على اسم (حراء) لجريدتنا الفتية تيمنا بهذا الاسم الذي بدأ منه إشعاع ذلك النور الإلهي. وهدفنا الأول من إصدارها هو نشر الوعي الإسلامي والقومية العربية بين الشباب السعودي... أما هدفنا الثاني فهو الدعوة إلى الإصلاح في كل مرفق من مرافق حياتنا العامة بالكلام الناصح والقول الحسن...»


هكذا أطلت (حراء) قبل ستة عقود وبالتحديد في 6 جمادى الأولى 1376.. وهكذا يجب أن تستلهم هذه الصحيفة (مكة) هذه المعاني والقيم.. النور الإلهي.. الإصلاح.. الكلام الناصح.. القول الحسن.. باعتبارها امتدادا لهذا التاريخ العريق، وباعتبار أن هذا ما يليق بصحيفة تصدر من مهبط الوحي ومنبع الرسالة وموضع القداسة.


«صدرت (حراء) صحيفة متطورة، طُبِع اسمها باللون الأحمر لأول مرة بالمملكة على ظل لجبل النور باللون الأسود..» وكانت «أول صحيفة سعودية تُنشئ قسماً خاصاً يُلتقط بواسطته الأخبار العالمية الطازجة من مصادرها ومن مختلف الإذاعات، قبل أن تعرف الصحافة السعودية الاشتراك في وكالات الأنباء، واستحدثت التحقيقات الصحفية المصورة، كما استحدثت الزوايا والصفحات الخاصة، مثل زاوية «طبيبك»، و»ركن البوليس»، و»ركن المزارع»، و»مجتمع الطلبة»، وصفحة حراء الطبية، والصفحة النسائية، ومن أجل صحتك.


كان لـ(حراء) صولات وجولات في بلاط صاحبة الجلالة، فأغضبت بما تنشره من مطالب بالإصلاح بعض كبار مسؤولي الحكومة، وكانت عناوين بعض مطالبها على مستوى: ماذا يريد الشعب من الوزارة الجديدة؟، مطلوب الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حاجتنا إلى نظام أساسي للحكم، مجلس الشورى لا بد من تنظيمه وتدعيمه. فوقعت وزارة الإعلام في حرج بما تسببه لها بعض الصحف من شكاوى الوزراء والمديرين، وبما تكتبه من نقد، فأصدرت أمراً في شهر رجب ١٣٧٨ بدمج (حراء) و(الندوة) في صحيفة واحدة في محاولة لاحتواء حماسة القائمين عليها وجرأة ما تطرحه تحقيقاً لأهدافها المعلنة في الإصلاح. إلاّ أن (حراء) استمرت على خطها ولم تغير ولم تبدل سوى اسمها، حيث باتت تصدر باسم (الندوة)، وبذلك لم تنجح خطة وزارة الإعلام في التخلص من أسلوب الصحيفة في النقد والتصحيح والتعبير عن أحاسيس المواطنين، فاخترعت اختراعاً جديداً وهو تحويل الصحف إلى مؤسسات، بحجة مشاركة أكبر عدد من المواطنين في المكاسب التي تحققها الصحف من إعلانات الحكومة، فتم تحويلها إلى مؤسسة وسُحبت -من مؤسسها الوالد صالح محمد جمال- دون تعويض، إذ يقول يرحمه الله: «ولما كنا بذلنا جهوداً في إظهار صحفنا والارتفاع بها في حدود الإمكانات المتاحة لنا، ولا يصح إعطاء جهودنا لغيرنا، تجمعنا نحن أصحاب الصحف وقابلنا سمو رئيس مجلس الوزراء يومئذ نطالب بترك أسماء صحفنا، وأن تصدر المؤسسات جميعها بأسماء جديدة، أو تعويضنا عن الأسماء، ولكن سموه أجابنا في حزم: هذه الامتيازات نحن منحناها لكم ونحن سحبناها ولا حق لكم في هذا الطلب».


ثم يقول: «فودعنا –هو وشقيقه أحمد، يرحمهما الله- قراءنا بآخر عدد رقم 1546 بتاريخ 30/10/1383 بكلمة قلنا فيها: نحن إذ نودع العمل الصحفي نشعر ببرد راحة الضمير ورضا النفس، إذ إننا وإن لم نكن قد وفَّينا كل الحقوق والواجبات، علَّنا نحس أننا قد أدينا أقصى ما هو في الإمكان نحو ديننا وبلدنا وحكومتنا».


وعليه في اليوم التالي 1/11/1383 عبرت (الندوة) من مرحلة صحافة الأفراد إلى مرحلة صحافة المؤسسات.


بقي أن أوجه تحية لأرواح رواد الصحافة في بلادي وفي مكة المكرمة على وجه الخصوص، مؤسسي هذه الصحيفة العريقة وهم الوالد صالح محمد جمال ورفيق دربه العم أحمد محمد جمال، وشيخ الصحافة الأستاذ أحمد السباعي (رحمهم الله جميعاً)،. والتحية موصولة مع التهنئة والدعاء للقائمين على الصحيفة في مرحلتها الجديدة التي نتمنى أن تلامس نبض المكيين وتجسد هويتهم المتسمة بالثراء والتنوع والتعايش والترحيب، وأن تكون على قدر طموحاتهم، وأن تستعيد الريادة التي تتناسب مع قدر وقدسية وعظمة مكة المكرمة.

مكة 1435/3/14هـ