الأمير سلمان وتاريخ مكة المكرمة

سمو الأمير سلمان - وفقه الله - له اهتمام كبير بالتاريخ بشكل عام وبتاريخ المملكة ورجالها وأسرها بشكل خاص؛ ولم يحصر اهتمامه بالتاريخ بقراءاته المتنوعة لمعظم جوانبه وإنما أراد أن يؤسس للتاريخ من يقوم على دراسته والتأصيل له علميا وعمليا فاتجه - وفقه الله - إلى إنشاء كراسي علمية مختصة بدراسة تاريخ المملكة، فكان أحدها في جامعة الملك سعود وقد خصصه لدراسة تاريخ الجزيرة العربية، وكان الثاني في جامعة أم القرى وقد جعله مختصا لدراسة تاريخ مكة المكرمة، وقد قامت الجامعة من خلال هذا الكرسي بعدة أعمال رائعة تصب كلها في إبراز تاريخ مكة المكرمة، فالكرسي - بحسب طبيعته - يهتم بتاريخ مكة في كل عهودها من قبل الإسلام وحتى يومنا هذا، ولأجل تحقيق هذا الهدف فقد قام بعقد ندوات علمية متخصصة حول جوانب متعددة من تاريخ مكة المكرمة، كما حرص الدكتور عبدالله الشريف وهو المشرف على الكرسى بدعم مجموعة من الطلاب لكي يتجهوا لدراسة بعض الجوانب من تاريخ مكة وهذا يحسب له، إذ أن من واجب الطلاب في الجامعة إبراز تاريخ مكة التي ترتبط بها قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض، والتي تشد لها الرحال على مدى السنوات الطوال منذ بناها إبراهيم عليه السلام وإلى يومنا هذا وسيستمر ذلك الى قيام الساعة، ومن أجل ذلك فإن واجب مؤرخينا ومن يعمل في خدمة الحجاج سواء أكانوا في مكة أم في المدينة المنورة أن يبرزوا تاريخ هاتين المدينتين لكل من يزورهما فهما تمثلان له تاريخه الحقيقي وتاريخ رسوله وصحبه الكرام وهذا فيما أعتقده كان واحدا من أهداف الأمير سلمان عندما دعم هذا الكرسي الذي جعله وقفا على دراسة تاريخ مكة المكرمة.


قبل بضعة أيام شاركت في ندوة علمية أقامها كرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكة تحت عنوان (الطوافة والمطوفون) وقد افتتحها معالى وزير التعليم العالي نيابة عن سمو ولي العهد وحضر حفل الافتتاح معالي الدكتور فهد السماري أمين عام دارة الملك عبدالعزيز - وهي جهة مشاركة في الصندوق - وكذلك معالي مدير جامعة أم القرى الدكتور بكري عساس، وقد تحدث الباحثون عن جوانب عديدة من الأعمال التي يقوم بها المطوفون وكذلك التبادل المعرفي والاجتماعي بينهم وبين الحجاج على مدى تاريخ مكة المكرمة، والجيد أن المنظمين للمؤتمر أتاحوا الفرصة لمجموعة من أبرز المطوفين ليتحدثوا عن أبرز أعمالهم وذكرياتهم مع الحجاج سواء في مكة أم في بعض الدول الإسلامية، كما استمعنا الى أحاديث عن عمل الأدلاء - وهم مختصون في العمل في المدينة المنورة -، وفي المؤتمر عرف بعضنا الفرق بين (الدليل) و(المزور)، خاصة من الأخ الدكتور يوسف حوالة المسؤول عن طائفة الأدلاء في المدينة المنورة، وفي هذا السياق أحمد لمنظمي المؤتمر إتاحتهم فرصة المشاركة لبعض الشباب من الجنسين للمشاركة في المؤتمر ببعض الأبحاث وكانت أبحاثا جادة في مجملها.


الشيء الذي ساءني كثيرا الأخطاء القاتلة التي قصمت ظهر اللغة العربية والتي ارتكبها معظم المتحدثين وكان الأجدر بل والواجب أن يتحدثوا بلغة فصيحة ولا سيما ونحن في هذه الأيام نحتفي بلغتنا وعلى مستوى العالم العربي، والشيء الآخر أنني اكتشفت أن كثيرا من آثار مكة والمدينة قد ضاع وإلى الأبد بسبب التوسعات الكبيرة في مكة والمدينة، وبسبب التوجس المبالغ فيه من اتخاذ بعض المواقع الأثرية مزارات دينية قد يرتكبون فيها ما يخالف الشريعة، وهذا التوجس هو الذي أدى الى إهمال آثار إسلامية في غاية الأهمية تحكي تاريخ رسولنا الكريم وتاريخ صحابته الكرام وكذلك أجزاء من تاريخنا وعلى مدى مئات السنين، وقد حدثني بعض الزملاء أن إهمال هذا التاريخ لا يزال قائما مع أنه كان ينبغي أن تتغير هذه النظرة نظرا لتغير نظرة الكثيرين الى تقديس الآثار وكان يكفي تقديم النصح لمن يبالغ في شيء من ذلك بدلا من إهمال الآثار لأنها هي التي تمثل الواقع المرئي لأهم مراحل تاريخنا الإسلامي ولعل القائمين على كرسي الأمير سلمان وبالتعاون مع هيئة الآثار تحاول إنقاذ ما بقي من آثار ذلك التاريخ العظيم.


التحية لكل الجهات القائمة على كرسي الأمير سلمان والشكر لسموه أولا فمكة مهبط الوحي تستحق كل ما يعمل من أجلها.

عكاظ 1435/3/3هـ