مكة المكرمة.. ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

كغيري من أبناء منطقة مكة المكرمة، وأبناء أم القرى تحديدًا، أرض آبائي وأجدادي، تابعت خلال عقود مسيرة التنمية الطويلة والمميّزة التي شهدتها هذه المنطقة العزيزة الكريمة المشرفة في عهود أمراء كرام تعاقبوا عليها، وأخلصوا لها أيّما إخلاص، وحرصوا على النهوض بجميع محافظاتها ومدنها وقراها، وتنفيذ مشروعات لا تُعدُّ ولا تُحصى في كل المجالات: الصحية، والتعليمية، والعمرانية، والخدمية، وسواها حتى أصبحت هذه المنطقة اليوم -ولله الحمد- من أكثر مناطق المملكة نموًّا وازدهارًا بما يليق بمكانتها الدينية والتأريخية والاقتصادية المتميّزة، أخلص أمراؤها في خدمتهم لها ولأهلها في ظلال ملوك اعتبروها دائمًا في مقدمة أولوياتهم، وأكمل بعضهم مسيرة بعض في خدمة بيت الله الحرام الذي تشرفت مكة المكرمة به مثابة للناس وأمنًا، بدءًا بالملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وأبنائه البررة: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد -رحمهم الله جميعًا رحمة واسعة- وانتهاءً بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- الذي يشهد المسجد الحرام في عهده الزاهر أضخم توسعة في تأريخه، غير بعيد عن توسعة المسجد النبوي الشريف الهائلة المباركة، عايشتُ كغيري من أبناء مكة المكرمة كل هذه الإنجازات، إلى أن تولى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل آل سعود إمارة منطقة مكة المكرمة، فوفقني الله تعالى أن أشهد عن كثب كل إنجازاته المتميّزة على الأصعدة كافة، بحكم حرصي الشديد على حضور كل أسبوعياته التي كان يقسمها بين أساتذة الجامعات والإعلاميين، وعلماء الدين، ورجال الأعمال، وشيوخ القبائل في المنطقة، وكانت كلها ترمي إلى دفع عجلة التنمية في المنطقة بالرجوع إلى النخب فيها الذين ذكرتهم، الذين كان سموه يلتقي بفئة منهم كل أحد، ويتراءى معهم في كل كبيرة وصغيرة، ويتيح الفرصة لكل فرد من الحاضرين أن يدلي بدلوه دون أي قيود أو شروط، ولا ينفض المجلس إلاَّ بعد أن يستمع سموه بسمعه وقلبه لكل مَن أراد الحديث، ويرد على كل مَن تحدّث ذاكرًا اسمه، متفقًا معه أو مختلفًا، ويُدوِّن بيده كل ما يسمع، ويتبنى الأفكار النيرة ويحوّلها إلى مشروعات على الفور، ويشكل لها اللجان المناسبة على أن تُطلع سموه على نتائج عملها في الجلسة التي تليها، وقد شاركتُ شخصيًّا في عدد من هذه اللجان، كما قدمتُ بعض أوراق العمل باسم جامعة الملك عبدالعزيز مع نخبة من زملائي الكرام في الجامعة. وهذه الأسبوعيات التي صدرت وقائعها مُفصَّلة في مجلدات ضخام توثق للكلمة والصورة بدقة لم أعهد مثيلاً لها، كانت منطلقًا لتحقيق مشروع سموه الكبير «نحو العالم الأول»، الذي يظن بعض الناس أنه صعب المنال، ولكن كل المعطيات والمؤشرات دلّت خلال السنوات القليلة الماضية أنه كان قريب المنال، وفي هذا الاتجاه عايشتُ كما عايش غيري قائمة طويلة من المشروعات التي أنجز بعضها تمامًا، وأصبح بعضها الآخر قريب التنفيذ -بإذن الله- وقد أتاح لنا سموه فرصًا ذهبية للوقوف عليها جميعًا، فَرُتِّبت لنا زيارة لمشروع كورنيش جدة الجديد قبل أن ينتهي، رافقنا فيه معالي أمين محافظة جدة الدكتور هاني أبوراس وجمعٌ من المسؤولين، ووقفنا على كل مراحل المشروع حتى تم -ولله الحمد- ورأى النور كما هو معروف. كما أمر سموه بأن نقف على مشروع مطار الملك عبدالعزيز الجديد، وكان لنا ذلك، ودخلنا إلى قلب المشروع، واطلعنا على ما أُنجز منه، وشهدنا عرضًا موثقًا لكل مراحله، وكتبتُ كما كتب سواي من الإعلاميين الذين وقفوا على هذين المشروعين الضخمين بالتفصيل عمّا رأينا وسمعنا دون أي زيادة أو نقصان، كما كان سموه يطلعنا باستمرار على سير مشروع تطوير العشوائيات في المنطقة والخطوات الكبيرة التي قطعها.


وقد كنتُ محظوظًا جدًّا بأن عايشتُ سوق عكاظ (السعودي) كما يحب سموه أن يسميه منذ ولادته وحتى موسمه الماضي، بكل ما فيه من زخم فكريّ، وأدبيّ، وعبق تراثي وتأريخي، وتقدم عصري وتقني، حتى أصبح من أعظم وأبرز المؤسسات الثقافية في المملكة والعالم العربي. ولا يغيب عن البال حرص سموه الشديد على انضباط شعيرة الحج، والتزام الحجاج بالتعليمات والتصاريح اللازمة، ما أدّى -ولله الحمد- إلى راحتهم ودعتهم.


ذلك بعض ما عايشته بنفسي خلال فترة زاهرة ومهمّة عاشتها منطقة مكة المكرمة في فترة سموه الكريم، واليوم يسلّم سموه الراية إلى أمير قدير ليتم هذه المسيرة الكبيرة: صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز الذي عاشت منطقة عزيزة من بلادنا حقبة من أزهى حقبها على الإطلاق وهي منطقة نجران خلال تولي سموه إمارتها.


ولا شك في أن المواطنين في منطقة مكة المكرمة على ثقة تامة من أن سموه الكريم سيكمل مسيرة من سبقوه بحكمة واقتدار لتحقيق ما نصبو إليه من التنمية والرخاء والازدهار، في هذا العهد الزاهر، عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رعاه الله-.