مرحبا بالأمير الجديد
يقال إن التعيين في المناصب تكليف وليس تشريفا، بيد أنه في مكة المكرمة تشريف أولا ثم تكليف، ذلك أنها مكة وكفى، أرحب باسم أهل المنطقة بالأمير الشاب، ولن أذكره بوصية رسولنا الكريم عليه السلام لمن بعثه كأول أمير لمكة بعد الإسلام من العناية بسكانها مجاوري بيت الله، لا شك أنه يعرف كل ذلك ولديه من الحنكة ما سيمكنه بإذن الله من النجاح، لذا سأتجاوز عبارات الترحيب المعتادة ليقيني أنه لا يحبذها وأنه يفضل العمل على الكلام، وسأطرح بين يديه جملة من قضايا مدينة مكة المكرمة، وآمل أن أعود للحديث عن بقية مدن المنطقة في مناسبات قادمة.
بالطبع هناك العديد من القضايا والملفات العالقة التي سيجدها الأمير على مكتبه، لكني سأحصرها في بضع نقاط، لعل أهمها برأيي المتواضع توابع عمليات الهدم وبنيتها التحتية المهترئة للماء والكهرباء وتصريف مياه المجاري والسيول، وشوارعها الضيقة على من يسكنها فما بالكم بملايين يزورونها على مدار العام. أما الهدم فقد تنوعت أسبابه وتنامى حجمه الذي لو حدث مثله بأي مدينة في العالم لأعلنت حالة الطوارئ لإيجاد بدائل سريعة، ولعل تنظيم العشوائيات بما يضمن حقوق سكانها يمثل مخرجا سريعا لإيجاد البديل.
من الهدم ما تم لتوسعة الحرم ومرفقاته أو للطرق الدائرية وهو مطلوب مستحب، ومنه ما خصص للاستثمار ببناء أبراج سكنية حول الحرم، وهو موضع جدل كثيرين بسبب تعسف شركات الاستثمار بحقوق أصحاب الأرض، ندعو الله أن يوفق الأمير لمعالجته.
غير أن أهم من كل ما سبق ما ألحقه الهدم من ضرر بالغ بشخصية وصورة مكة التاريخية، التي صمدت لمئات السنين ومشاهد للنبي صلى الله عليه وسلم يستقى منها تاريخها ويصبغ شخصيتها كمدينة لكل المسلمين وعاصمة علم وثقافة، لن نبكي على لبن مسكوب ولكن الحاجة ملحة لصون ما تبقى من آثار إسلامية. نأمل من الأمير مشعل حسم الاعتقاد المتهافت حول شبهات الآثار، فكل الدول لها آثارها المصانة من العبث والشبهات، نأمل أن يتحول موقع ولادته عليه السلام إلى مركز معرفة وتعريف به عليه السلام، وأن تتم العناية بغار حراء وجبل ثور وتسهيل أمر زيارتهما لاستقاء تاريخ الأمة منها، نأمل صيانة ما تبقى من أماكن صلى فيها النبي أو توقف فكله تاريخ أمة لا تاريخ بلد وحسب. والخوف من بعض الممارسات لا يبرر الإهمال بل يفرض المزيد من التوعية، أمة لا تاريخ لها لا شخصية لها لا هوية ولا مستقبل.
عكاظ 1435/2/21هـ