أنغام الـتراث الجميـل

كيف تقدم بعض التسلية للزملاء خلال أمسية تـم الاتفاق على إقامتها في قاعة تراثية في جدة القديمة حيث لا يوجد تلفاز لمتابعة مباريات كرة القدم التي تشغل عادة مجموعة كبيرة منهم خلال اللقاء الأسبوعي وحيث لا أحد يمارس لعب الورق وبالأحرى حيث لا شيشة ولا معسل؟ دار بفكري أن أجهـز عددا من الأغاني القديمة التي تعيد ذكريات الماضي وطلبت من الزميل سامي خميس، مقدم برنامج «الفن وأهله» سابقا، المساعدة فوعد بإعداد قرص مدمج يحتوي على عدد مختار منها، ولكن قبل أن أدبر كيفية نقل جهاز الستريو بأسلاكه وأجزائه المتعددة وسماعاته الكبيرة

أوضح لي بعض الشباب من الجيل الجديد أن الأمر أصبح أسهل من ذلك بكثير حيث لم يعد يحتاج إلا إلى جهاز الهاتف الجوال ــ آي فون ــ أو جهاز آي باد صغير يوصل بهما مباشرة سماعات صغيرة يوشك أن يسعها جيب الثوب الجانبي مع برنامج يتم تحميله من «اليوتيوب» على الشبكة العنكبوتية يتيح لك سماع أي أغنية تتخيلها من مخزون الشبكة اللامحدود. اخترت القيام بذلك بدلا من الإثقال على الأخ سامي، وأخذت أنبش ذاكرتي بحثا عن أقدم الأغاني التراثية التي لازالت تسكن فيها رغم أني لم أسمعها منذ سنوات لتجهيـز مجموعة مبدئية، مع إمكانية تنزيـل أي أغانٍ أخرى قد يطلبها الزملاء على الهواء مباشرة عند طلبها.. ينشد الفنان محمد علي سندي «يا عروس الروض يا ذات الجناح، ياحمامة» وتكاد تسمع رفرفة أجنحة الحمام الذي يعشعش فوق القاعة وفي كافة أرجاء الحارة القديمة.

يصدح الفنان غازي علي «يا روابي قبا» و تشم نسيم الصبا في وادي عروة أيام كانت رحلاتنا إلى المدينة المنورة تستغرق وقتا أطول وكنا نقضي هناك وقتا أجمل. يغني الفنان طارق عبد الحكيم «ياريـم وادي ثقيف» وتنتقل إلى بساتين الطائف ووديانها، ثم يغني «أهيم بروحي على الرابية» فينقلك إلى جو مفعم بالحنين إلى البيت العتيق. يغني الفنان فوزي محسون «من بعد مزح ولعب أهو صار حبك صحيح» وتتأجج أحاسيس الطفولة الأولى. يعزف الفنان طلال مداح «وردك يا زارع الورد» و «أحبك لو تكون حاضر» و «وينك يا درب المحبة». ويغني الفنان محمد عبده «يامركب الهند» و «يا حبيبي أنستنا» و «مالي أراها لا ترد سلامي» .

يعلو صوت الجسيس محمد أمان فينقلك إلى أجواء عقود القِران الحجازية. حتى الفنانة «توحة» التي كانت في فترة ما أشهـر من يحيي حفلات الزفاف النسائية في جدة ونسمع بها دون أن نسمع صوتها يوجد لها أغانٍ على الشبكة مثـل أغنية «عاش من شافك» .. الأغاني التراثية في جدة القديمة لم تقتصر على الأغاني المحلية بل تعدتها عبر المذياع لتضيف ألحانا من كافة أنحاء العالم العربي. تغني كوكب الشرق «أهل الهوى ياليل» ويغني الموسيقار محمد عبد الوهاب «ساعة ما باشوفك جنبي» .

حتى الأغاني العدنية كان لها شهـرتها مثـل «سألت العين حبيبي فين» للفنانة موزة سعيد.. الذي حدث في الواقع هو أن الزملاء انشغلوا تماما بالحديث فيما بينهم عن الاستماع إلى مختارات الأغاني التراثية التي لم تجد من يلقي بالا إليها إلا فيما ندر.

بل إنهم دخلوا في مناقشات طويلة وجادة عن الواقع المؤلم لجدة التاريخية، وكيفية إنقاذها أولا ثم كيف يتـم إحياؤها من جديد.. قلت لنفسي لا بأس في ذلك طالما أنهم غـير شاعرين بالملل، وأن من المنطقي أن يفرض اجتماع الأصدقاء الحديث في شؤون الساعة بعكس الوحدة التي يناسبها الاستماع إلى الأغاني القديمة واستعادة ذكريات الماضي بين الإنسان ونفسه..

على أية حال كان مكسبي هو اكتساب المعرفة بطريقة سهلة للرجوع إلى مخزون كبير من الأغاني التراثية والاستمتاع بالسماع لعدد منها. الأنغام جزء مهم من التراث الجميل يستحق أن يشغل مكانا دائما ومتجددا قي ذاكرتنا.

عكاظ 1435/1/25هـ