الطريق النبوي إلى قباء

يُحمد لأمانة المدينة المنورة إعادة الأسماء التاريخية لأحيائها وجبالها وأوديتها وحِرارها وغيرها بحيث صار من يقرأ تاريخ المدينة وبخاصة السيرة النبوية يتصور المواقع، وهو تجسيد للجهد الذي بذله المؤرخون والآثاريون المعاصرون في ربط ماضي الأسماء بحاضرها.


نشرت وزارة المالية إعلانًا صحفيًا قُرن بخارطة وضّحت المناطق المحيطة بالمسجد النبوي الشريف والمداخل المؤدية إليه في نطاق التوسعة الكبرى له، وكان من بين الطرق طريق سمي (طريق درب السنة) وهو الطريق الرابط بين المسجد النبوي ومسجد قباء، وقد أرسل إليَّ زميل يسأل عن هذه التسمية، وهل لها أصل تاريخي؟.


أول ما يلحظ على هذه التسمية الخطأ اللغوي في الجمع بين كلمتي طريق ودرب، وكلاهما بمعنى واحد، فإحداهما تغني عن الأخرى، أما الاسم التاريخي فهو (الطريق النبوي إلى قباء) وبهذا كتب عنه المؤرخون، قال السمهودي في وفاء الوفاء (3/813، دار الكتب العلمية): (ما جاء في بيان طريقه صلى الله عليه وسلم إلى قباء ذهابًا وراجعًا) وقد نقل وصف ابن شبَّة له (ت 262هـ) الذي رد في تاريخه (1/57) ثم وصف السمهودي الطريق في زمانه (ت 911هـ)، وبذاك سماه بن علَّان في كتاب (حُسن النبا في فضل مسجد قبا) حيث كان عنوان الباب السادس (فيما جاء في بيان طريقه صلى الله عليه وسلم ذهابًا وإيابًا إلى قباء) وقد حدّد المؤرخون طوله بالأميال والذراع مع تحديد دقيق لمساره.


والمؤرخون يصفون الطريق الذي كان يسلكه صلى الله عليه وسلم في خروجه إلى قباء راكبًا وماشيًا (البخاري برقم 1193، ومسلم برقم 1399) فيما رواه ابن عمر من أنه كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا، وقد نشرت الصحف قبل سنوات أن أمانة المدينة ستعيد فتح الطريق وسمته بالاسم التاريخي (الطريق النبوي إلى قباء).


على أن أوسع من وصف الطريق في العصر الحديث عبدالقدوس الأنصاري في كتابه (آثار المدينة المنورة) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1353هـ، وذكر أن الطريق كان ضيقًا، شديد الاعوجاج، مملوءًا بالحفر والشقوق وعلى طرفيه الصِّيران (نخل صغير مهمل نابت من النَّوَى) وفي عام 1336هـ شق فخري باشا (آخر حاكم عسكري عثماني للمدينة) طريقًا مستقيمًا واسعًا إلى مسجد قباء، وغرس على جانبيه النخل والأثل لتظليل السائرين ثم استعاد أصحاب البساتين ما اقتطع منها للطريق حتى وصل الأمر إلى إغلاق الطريق، وفي عام 1351هـ، جدد فتح هذا الطريق وكيل أمير المدينة المنورة عبدالعزيز بن إبراهيم بشراء 16 قطعة من الأراضي وجعلها وقفًا واستصدر بذلك حجة من المحكمة الشرعية في عام 1353هـ (أشار إلى رقمها) وبذلك أعاد فتح الطريق من جديد وبنى بجانبها أعلامًا، فرجع السير فيه كما كان، هذا ما ذكره الأنصاري باختصار وتصرف بما يتسع له المقام.


فهذا الطريق له اسم تاريخي، وللمؤرخين عناية به، وقد عمّره من اهتم به طلبًا لأجر من يسلكه وإحياء للسنة النبوية في زيارة مسجد قباء، وتغيير الاسم ليس له مبرر، والسنَّة ليست خاصة بهذا الطريق، فهناك سنن كثيرة تتعلق بطرق وأماكن في المدينة المنورة، ولم أطلع على من سمّاه طريق السنة بل تواتر في كتب التاريخ تسميته طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء.


فتح الطريق عمل جيد، فهو سيسهل حركة المشاة إلى قباء خروجًا من المسجد النبوي الشريف، وهو إحياء لطريق استولى عليه أهل المزارع قديمًا، وإعادته باسمه التاريخي عمل مشكور، أما إن غُيّر اسمه فقد يُفهم أنه طريق حديث لا أصل تاريخيًا له.

المدينة 1435/1/8هـ