«رواة التاريخ وروائع شاعر باب الباسطية»

* يأتيني نعي الوالد الشيخ عبدالله سندي – عصر يوم الجمعة المبارك عن طريق الزميل الأستاذ محمد نور مقصود لتعود بي الذاكرة إلى عقود خلت عرفت فيها كثيراً من أهل الجوار – عند زيارتهم لمسجد ومثوى سيد الخلق عليه صلوات الله وسلامه – ولقد كان الأخوان جميل وعبدالله سندي –رحمهما الله- من أصدقاء الشيخ الحافظ لكتاب الله حسين أبوالعلا –رحمه الله- وكان يقيم حفلاً سنوياً خطابياً ودعوياً في البستان الذي يحمل اسمه في طريق قربان.


* في طلعة العمر وأيام الصفاء وسنين الألفة والوداد شاهدت واستمعت لعدد من وجوه العلم والفضل، في ذلك المكان، وكان القوم على سمت من الهيبة والوقار والجلال وحسن الإصغاء لطلبة العلم ومريديه.


* وفي عام 1390م، وفي مناسبة دينية مضمّخة بعبير المحبة استمعت في مجلس الوالد الشيخ "أبوالعلا" - رحمه الله – للشيخ الحافظ لكتاب الله – زيني بويان – رحمه الله – وهو ينشد حولية الشيخ العلامة اللغوي السيد محمد أمين الكتبي –رحمه الله- أو همزيته المعروفة التي يترسم فيها بأصالة خطى المادح المشهور الإمام البوصيري والتي يقول مطلعها:
طافت مواكبه بكل سماء
في ليلة المعراج والإسراء
حتى إذا ما أتى على ذكر الأبيات التي تتغنى بمعالم البلد الحرام وتؤمئ إلى مجلس ودار الشيخ الكتبي في باب الباسطية المعروف للجميع –آنذاك- حيث يقول:
.. فاسأل به البيت العظيم وسل به الشعب الكريم إلى حجون كداء..
.. وسل الأباطح والمخصب والصفانة والمنحني ومضارب الفصحاء.
.. واسأل بباب الباسطية شاعراً.. غِرداً يُجبك بأصدق الأنباء
.. قل للمدينة قول صب ظامئ. للمصطفى ولعينها الزرقاء
.. أنا من علمت محبة وصبابة.. لبس المحب وغيره بسواء..
.. في تلك اللحظة الروحانية المحلقة في عوالم التاريخ والمسيرة العطرة.


شاهدت الدمع ينسكب غزيراً من عين السيد حسن كتبي -ابن عم الشاعر- وكان –آنذاك- وزيراً للحج والأوقاف وكان من جيل الرواد الذين احتفى بهم الأستاذ محمد سعيد عبدالمقصود في سفره الرائد – وحي الصحراء، وإنني اليوم – إذ أودع حزيناً بهذه الكلمات المتواضعة الإنسان الصادق، جليس حلقات العلم الشرعي في الصحن – الوالد عبدالله سندي – فلقد كان من بقية الناس في البلد الحرام، نفساً كريمة، وسلوكاً ورعاً، وسيرة نقية، وإن هذه الخلال الكريمة التي شيعته شاهدة ليستقر مطمئناً –بإذن الله- في ربوة الحجون والمعلاة هي ما تبحث عنه -لاهثة- في الدروب أجيال لم ترتوِ من ذلك النبع الروحي بل يمكن القول أنها لم تذق شيئاً من إكسيره الخالد.

المدينة 1434/12/24هـ