الخدمات والأمن في الحج

المتأمل في مراحل أداء فريضة الحج سوف يكتشف أن ضرورات وحاجات الحاج لكي يؤدي مناسكه براحة و اطمئنان هي عبارة عن سلسلة طويلة من الخدمات التي تبدأ من بلده مرورا بالمملكة و المكتين والمشاعر المقدسة ثم العودة إلى بلده، و لذلك يحلو للبعض إدراج أعمال الحج ضمن صناعة الخدمات التي باتت علماً وفناً له أصوله وتجاربه الخاصة، وجل هذه السلسلة و أهم ما فيها من خدمات يُقدم في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ..

ولاشك أن أعداد الحجاج وتوقيتات الحج ومحدداته المكانية تفرض توجيه عناية خاصة لتحقيق أمن وسلامة الحجيج في تحركاتهم في المسجد الحرام والمشاعر المقدسة ..

لكن الملاحظ أن هناك غلبة للحس الأمني على الحس الخدماتي في أعمال الحج، و يتجلى ذلك بوضوح في استعدادات و أعداد الأفراد المنخرطون في منظومة أمن الحج، وفي التغطيات الإعلامية، وفي الحفاوة التي يحظى بها الأمنيون والعسكريون عقب كل موسم وهم بالمناسبة أهل لكل حفاوة و تكريم؛ فالجهود التي يبذلونها كبيرة ومضنية من أجل تحقيق الأمن والسلامة لجموع ضيوف الرحمن في كل مكان يوجدون فيه..

وأما الجانب الخدماتي فلا يزال – في نظري – يحظى باهتمام أقل نسبياً من الجانب الأمني، ولذلك نجد أداءنا الخدمي دون المأمول  وتحسنه أبطأ من الأداء الأمني ..

و غلبة الحس الأمني جعلت صوت ممثليه الأعلى في معظم اللجان الدائمة وغير الدائمة التي تشكل من أجل أعمال الحج  ، وبالتالي فقد ظلت العناية الموجهة لقياس مستويات أداء الخدمات وتطويرها دون المأمول ..

فعلى سبيل المثال نجد أن الاهتمام بالإسكان والأغذية والنظافة في مشعر منى يتم بدرجة أقل مما يتعلق بأمن الحشود و منع الافتراش بل أحياناً يكون على حساب الخدمات كما هو الحال في منع استخدام الغاز الذي أثر سلباً على خدمات الإطعام ..

و أبرز مثال – من وجهة نظري – على غلبة الحس الأمني على الخدماتي هو مشروع منشأة الجمرات، إذ تم التركيز على أمن وسلامة الحشود وانصرف التفكير أثناء تطوير فكرة المشروع وتنفيذه على الجوانب المتعلقة بالأمن والسلامة وغاب التفكير – أو يكاد – في الجوانب المتعلقة بالخدمات، فلا حلول للنظافة ولا لجمع المخلفات ونقلها، ولا دورات مياه كافية، ولا مسارات مخصصة لكبار السن، و لا توافر لمحلات بيع الأطعمة والأشربة ..

أنفق على المشروع المليارات ، و يتجمع فيه مئات الآلاف و يمر به الملايين خلال أيام محدودة وبرغم ذلك لم يتم وضع حلول لجمع ونقل المخلفات التي تنتج عن مرور هذه الملايين من البشر وتظل منتشرة على مساحات المشروع وساحاته و ما يتم جمعه يبقى أكواما على أطرافها في منظر لا يتناسب لا مع حجم الجهد و لا المال الذي أنفق على المشروع ..

و من الأمثلة التي برزت هذا العام على مستوى ما يُقدم من خدمات ما تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي و الإعلام الجديد حول تردي أوضاع استراحات الطرق، وفوضى ذبح الأضاحي والمخالفات الشرعية الكبيرة التي ارتكبت عند ذبحها ..

الواجب في الحد الأدنى الموازنة بين الخدمات و الأمن عند التخطيط والاستعداد لكل موسم .. وإن كنت أرى تغليب جانب الخدمات، لأن هذا يتواكب مع تطلعات وحاجات ضيوف الرحمن ويحقق مفهوم إكرامهم ، فكل منهم مشغول بما سيُقدم له من خدمات بدءا من استقباله في المنافذ ومروراً بنقله وسكنه وطعامه وشرابه وانتهاءً بوداعه في المنافذ ، و لن تجد منهم من هو مشغول بالأمن والسلامة باعتبارها أمور مفروغ منها وما اشتهر من بسط الأمن و الأمان في المملكة و المكتين و المشاعر المقدسة ..

فهل إلى ذلك من سبيل ؟ أرجو ذلك ..

عكاظ اليوم 1434/12/23هـ