التاريخ انحاز لعظمة الحجاز ..!

(أُحبُّ بِلَادي -كلّ بِلَادي- مِن شَمالها إلَى جَنوبها، ومِن شَرقها إلَى غَربها).. قَالها الأجدَاد في غَابِر الأزمَان، ثُمَّ أضَافوا لَها المَقولة التَّالية: (هَذا هو الحُبّ العَام، أمَّا الحُبّ الخَاص فبُوصلة القَلب شَطر الحِجَاز)..!


فكَما أنَّ الأب لَه مَجموعة مِن الأولَاد يُحبّهم جَميعاً، ثُمَّ يُميّز أحدهم عَن بَقيّة إخوَته، كَما كَان "يُوسف" -عَليه السّلام- مُقرّباً مِن قَلب أبيهِ "يَعقوب"؛ أكثَر مِن بَقية إخوَته..!


ودَائماً كُنتُ أسأل نَفسي؛ عَن مَعنَى اسم "حبيبي الحِجَاز"، فوَجدتُ إجَابة عِند المُؤرِّخين تَقول: (الحِجَاز مَفهوم عِندَ عُلمَاء المَنازل والدِّيار القُدَامَى، وهو سِلسلة جِبَال السَّروات المُقبلة مِن اليَمن إلَى قُرب الشَّام؛ الحَاجِزة بَين نَجد وتهَامة، فمَا سَال مِن قِمَم هَذه الجبَال مغرّباً؛ يَنصبُّ إلَى تهَامة، ومَا سَال مشرّقاً؛ يَنصبُّ إلَى نَجد، بَعد أن يَحسر الجبَال خَلفه مِن الجِهَتين.. أمَّا مَا اشتَمَلَت عَليه هَذه الجبَال مِن مُدن وقُرَى وسُكَّان فهو حِجَازي)..!


ويَقول "الأصمَعي": (إنما سُمّي حِجَازاً، لأنَّه يَحجز تهَامة ونَجداً، فمَكّة تهَاميّة، والمَدينة حِجَازيّة، والطَّائف حِجَازيّة)..!


أمَّا "يَاقوت الحموي" فيَقول: (والحِجَاز جَبل مُمتد حَال بَين الغور، غور تهَامَة ونَجد؛ فكَأنَّه مَنع كُلّ وَاحد مِنهما أن يَختلط بالآخَر، فهو حَاجِز بَينهما)..!
هَذا التَّعريف الذي نَقَلْتُه عَن بَعض المُؤرّخين للحِجَاز، لَيس قَولاً وَاحداً، بَل هُنَاك آرَاء لمُؤرِّخين آخرين، يَختلفون في تَعريف الحِجَاز، وفي نَصّ "الأصمعي" أعلَاه نَجده يجزم بأنَّ مكّة تهَاميّة، ولَيست حِجَازيّة، كَمَا أنَّ هُنَاك مِن المُؤرِّخين مَن يَزعمون أنَّ الطَّائف -أو أجزَاء مِنهَا- نَجديّة؛ ولَيست حِجَازيّة، اعتمَاداً عَلى الأثَر النَّبوي القَائل: (مَنْ رَأَى حَضْن فَقَدْ أَنْجَدَ)، و"حَضن" الآن تُعتبر ضَاحيّة مِن ضَواحي الطَّائف.. وهَكذا يَمتدّ الحِجَاز ويَنحسر وفق رؤية كُلّ بَاحث، ومَا يَملكه مِن وَثائق ومُعطيات..!


حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: كُنتُ أعتَقد أنَّ الحَاجِز أو الفَصل بَين الجنسين خَاص بالبَشَر، ولَكن مَا لَفَتَ نَظري هو قَول شيخنا "ياقوت الحموي"؛ بتَعريف الحِجَاز بأنَّه: (فَاصِل أو "بَارتيشن" بَين تهَامَة ونَجد)..!!!

المدينة 1434/12/22هـ