المبيت بمنى

أفتى أستاذنا الشيخ عبد الوهاب الطريري أن من ليس له مخيم بمنى فإنه يبيت في سكنه وإن كان خارج حدود الحرم كالشرائع وجدة والطائف، ثم تبعه الشيخ عبد الرحمن البراك بأنه لا يلزم المبيت بمنى إذا كان بأجرة أو منة، مع علمنا أن المبات بمنى سنة مؤكدة لدى جمهور العلماء تركه يوجب دما. جزى الله الشيخين خير الجزاء على اجتهادهما تيسيرا لقاصدي بيت الله الحرام. وعدم المبات بمنى كان ومازال عليه معظم أهل مكة منذ عقود، بالخصوص في حج النافلة لعدم مزاحمة حجاج بيت الله، أجازه لهم علماؤهم آنذاك ليس تتبعا للرخص ولكن تيسيرا ومساعدة للقادمين من أقاصي المعمورة لأداء فريضة ظلوا طوال العمر ينتظرونها.


ما رآه الشيخان أمر حسن ولكنه يختص بأهل مكة وما جاورها من المدن وهم لا يشكلون نسبة تذكر بين حجاج بيت الله القادمين من خارج هذه المدن ومن خارج البلد، فهل نطمع في فتوى بإجازة البناء في منى وعلى سفوحها بما يسمح باستيعاب هذه الجموع الغفيرة. وقد بنيت بعض المقار الحكومية الصغيرة وبعض البنايات السكنية سابقا لكن صدر أمر فتم هدمها. كم نحن بحاجة لترسيخ مفهوم اليسر في الإسلام فأعداد الحجاج إلى زيادة ومحدودية مساحة المشاعر تحتم علينا الخروج بحلول ابتكارية من متن الكتاب والسنة وبنظرة أكثر شمولية، لعل أهمها الآن مسألة المبات بمنى.


ليت علماءنا الأفاضل يضربون أكثر في فقه الواقع تتبعا لسنة نبينا المصطفى عليه السلام الذي ما كان يعرض عليه خياران إلا اختار أيسرهما على المسلمين، ولعل مشكاة ذلك تكمن في قوله عليه السلام «افعل ولا حرج»، اتفق العلماء على وجوب المبيت بمنى ولكنهم اختلفوا في حكمه، ونعلم جميعا أن الله سبحانه لم يجعل علينا في الدين من حرج وأنه سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما تؤدى فرائضه، ونعلم الرخص التي أعطاها الرسول عليه السلام سواء لعمه العباس رضي الله عنه أم للسقاة أم لذوي الحاجة، ونعرف جميعا أن مدرسة كبيرة في الإسلام تخرج منها أئمة بقية المدارس، هم الأحناف ولا يرون وجوب المبات بمنى، قال الإمام الشافعي كلنا عيال أبا حنيفة في الفقه، فافتونا يا أهل العلم.

عكاظ 1434/12/15هـ