الله.. الله في العشر من ذي الحجة
في هذه الأيام يقدِمُ علينا قادمون كرام أعزّاء، فلا ندري بمن نفرح؟!
فهل نفرح بقدوم الحجاج، ضيوف الرحمن، وفد الله الكرام؟ أم نفرح بقدوم الأيام المباركة المعظمة التي ليس في أيام الدنيا ما هو أفضل منها؟
أيام عظيمة تتنزل فيها الرحمات والفيوضات الربانية، كيف وقد أقسم الله تعالى بها، ولا يقسم سبحانه إلاّ بعظيم! فقال جل جلاله:(والفجر وليالٍ عشرٍ) "الفجر1-2"، فما أحرانا وأجدرنا بأن نسارع فيها إلى اغتنام الخيرات، والتسابق في الطاعات، ويكون لسان حالنا كما قال تعالى: (وعجلت إليك ربّ لترضى)" طه 84".
إن هذه الأيام العشرة من ذي الحجة قد فضلها الله تعالى على غيرها، فكان فيها من الفضل والخير ما لا يوجد في غيرها، وأصبح العمل المفضول فاضلاً فيها، فقد أخبرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قيل: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء). كرم إلهي عظيم جدّاً.
والله سبحانه إذا أعطى أدهش! فمن رحمته بنا وجوده علينا أنه ضاعف لنا الأجور في أيام بسيطة قليلة، فيستطيع العبد الفطن أن يدّخر من الأجور كأمثال الجبال! وقد فتح الله تبارك وتعالى لنا أبواب العبادات بأنواعها، وكل قد يسره الله تعالى لما خلقه من أجله، لكن أعظم العبادات في هذه الأيام وأيسرها: ذكر الله، (ولذكر الله أكبر) "العنكبوت 45"، وقد نص الله تعالى على ذلك، وخص هذه العبادة بهذه الأيام المعظمة فقال سبحانه: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) "الحج 28"، وجاء التوجيه النبوي منفذًا ومؤيدًا للتوجيه الإلهي، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد)، وقد كان هذا حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فقد كانت أماكنهم تعجُّ بذكر الله والتهليل والتكبير؛ ولذا ينبغي علينا الحرص على أن نحيي هذه الأيام المعظمة بالذكر، فلا تفتر ألسنتنا عن ذلك، فنكون في كل أعمالنا ذاكرين له جلت قدرته في قيامنا وقعودنا، وكل أحوالنا، متعلّقين به سبحانه وتعالى.
ولا ينبغي أن نغفل أن من أعظم العبادات أيضًا خدمة ضيوف الرحمن الذين قد خصّهم الله بمزايا ليست لأحد، فخدمتهم وإكرامهم فيه تعرض كبير للفضل الإلهي، كيف وهم الذين يباهي الله بهم ملائكته يوم عرفات، ثم ينصرفون مغفورًا لهم، قد غسلهم الله بعفوه وجوده، وأمطر عليهم وابل فيضه العميم، فمن أقامه الله في خدمة ضيوفه، فقد أقامه في أمر عظيم.
ولنختم الكلام بما جاء عن خير الأنام عليه الصلاة والسلام إذ يقول: (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة، فقال رجل: يا رسول هن أفضل، أم عدتهن جهادًا في سبيل الله؟ قال: هن أفضل من عدتهن جهادًا في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة! ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهلِ الأرض أهلَ السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا ضاحّين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة).
اللهم وفق الجميع لخدمة حجاج بيتك الحرام، وأرزقنا الإخلاص في القول والعمل وحسن العاقبة عند انقضاء الأجل، وأجدّد الترحيب بضيوف الرحمن في هذا البلد الأمين بهذه الأبيات تعبيرًا عن حب أبناء الوطن العزيز بأسره لوفود الرحمن فأقول:
أهلاً بكم يا وفود البيت والحرم
أهلاً بكم في رحاب الطهر والعلم
قصدتم الله ترجو منه مغفرة
فزتم ونلتم بفضل الله والكرم
وهذه مكة الغراء في فرح
تقول أهلاً بضيف الله والحرم
يا قاصد البيت ابشر حزت مكرمة
قصدت ربًّا كريمًا سابغ النعم
فاستشعر الفضل من مولاك إن له
عليك فضلا فثق بالله واستقم
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
عقود مدح فما أرضى لكم كلمي
ثم الصلاة على الهادي وعترته
وصحبه كلما صلى عليه فمي
* وكيل وزارة الحج لشؤون الحج
المدينة 1434/12/5هـ