تاريخ أمة في سير أئمة

تملكني الفرح بشكل كبير حين أهداني حبيبنا أديب الحجاز وذاكرتها العلمية الأستاذ الدكتور عاصم حمدان كتاب فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، الموسوم بـ «تاريخ أمة في سير أئمة»، المبسوط في خمسة أجزاء صادرة عن مركز تاريخ مكة المكرمة لعام 1433هـ، والسبب في ذلك راجع إلى أمرين: ثانيهما أهمية مؤلف الكتاب وما يحظى به من مكانة كبيرة على الصعيد المعنوي والرسمي في إطار مجتمعنا السعودي بل وفي إطار مجتمعنا الإسلامي ككل، فهو الشيخ العالم الذي عكس بأدبه وخلقه سماحة ما يكتنزه في صدره من آيات بيّنات، وتمثل بما يحمله بين جنباته من علم كثيرًا من القيم النبوية والسلوك الرباني القويم، فكان ولا يزال أنموذجًا يمشي بين الناس لكل قيم التسامح والتراحم وصدق القبول بالآخر.


على أني لا أستغرب منه ذلك وقد تربى في كنف والده الشيخ العلامة عبدالله بن حميد، الذي كان في حياته مثالا للتواضع، ومضربًا للعلماء الربانيين بسلوكهم وسمتهم وعلمهم ونور بصيرتهم. وتلك شهادة سمعتها مرارًا من والدي -يرحمه الله-، ومن كل من عرفته من أهل الله وطلبة العلم الشريف.


أمَّا أول أسباب فرحي العارم بالكتاب فيعود إلى علو قيمة الكتاب العلمية من وجهة نظري كمتخصص في علم التاريخ وفنه، حيث عمل فضيلة المؤلف إلى جمع تراجم كل من وليَ إمامة الحرمين الشريفين منذ أبكر العصور الإسلامية وحتى تاريخ طباعته، وهو جهد بحثي كبير، وعمل علمي شاق لا يدرك أهواله إلا من كابد مشقة البحث العلمي. ناهيك عن تحرِّيه الدقة والموضوعية في ترجمة حياة كل من ذكرهم، والأهم أنه حرص على إعطائهم حقهم الكامل من التقدير الواجب دون النظر عن مخالفة عديد منهم لتوجهه المذهبي والفكري. ولعمري فإن ذلك بيان لمن يتصفح الكتاب، فكيف بمن يقرأه ويتدبر معانيه وألفاظه.


تجدر الإشارة إلى أن المؤلف قد قسم كتابه إلى قسمين، جعل أولهما في تراجم أئمة المسجد الحرام، وذِكـْر من حج بالناس، وأئمة التراويح، ومن ناب في الإمامة أو الخطابة؛ فيما خص القسم الثاني من الكتاب في تراجم أئمة المسجد النبوي، وذِكـْر أئمة التراويح، ومن ناب في الإمامة والخطابة؛ كما ترجم للأمراء والولاة على الحرمين الشريفين من مبتدأ البعثة وحتى القرن الخامس الهجري، لكونهم قد تولوا الإمامة والخطابة وفق سمت ذلك الزمان. على أنه لم يغفل الحديث في مصنفه عن أئمة مقامات المذاهب الأربعة، التي توقف العمل بها في عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله.


تبقى الإشارة إلى أن الكتاب قد حوى تراجم العديد من الأجناس والعرقيات المتنوعة، التي جمع بينها الدين الواحد والقبلة الواحدة، فكان حقًا «تاريخ أمة في سير أئمة».

المدينة 1434/12/5هـ