الشريان يحسب أنه أحسن صنعاً

تابعت إعادة حلقة برنامج الثامنة التي ناقشت إسكان جمعية البر مساء الأربعاء الماضي، وذلك بعد ما أبدى بعض من التقيتهم ليلتها استياءهم مما تعرضت له جمعية البر في مكة من هجوم عنيف وغير مبرر.

ولي ملاحظات عامة على الحلقة، أولها غياب الجهات الأخرى المعنية بموضوع الحلقة، وهم هيئة تطوير مكة المكرمة، ووزارة الشئون الاجتماعية، وإمارة منطقة مكة حضورياً و هاتفياً .. وثانيها تحول النقاش من موضوع تشريد السكان نتيجة قرار هيئة تطوير مكة بإخلاء السكن تمهيداً لهدمه، إلى مناقشة أداء مدير الجمعية، والنفاذ منه للهجوم على الجمعية ومديرها ومجلس إدارتها .. و ثالثها تجاهل جميع الردود الموضوعية الموثقة من قبل مدير الجمعية و مقاطعته ومهاجمته شخصياً لا موضوعياً.

فغياب الجهات المعنية يثير تساؤلات عن أسباب غيابهم هل بسبب عدم اكتراثهم بالبرنامج؟ أم بسبب رفضهم لأسلوب مقدمه في الهجوم والمقاطعة؟ وهذا الغياب في النهاية أضعف الحلقة، وساهم في انحرافها عن موضوعها الأساسي..

وأما تحول النقاش عن موضوع تشريد السكان والتحول إلى الهجوم على الجمعية، فقد أدى إلى إيقاع عدة أضرار أولها عدم إنجاز الهدف من الموضوع المعلن للحلقة، ومنع تشريد السكان، بتقديم حلول غير الحل الذي قدمته الجمعية، وهو دفع عشرة آلاف لكل أسرة لإيجاد سكن بديل، وكان بالإمكان في حال مشاركة هيئة التطوير تأجيل موعد الإخلاء -مثلاً- وإعطاء فرصة أوسع ليتدبر السكان أمرهم، وتتدبر الجمعية وضع مرضى مركز الكلى، وبالإمكان أيضاً أن يبادر أحد المحسنين أو المستثمرين لتوفير سكن بديل لسكان العمارة المقرر إزالتها .. وهكذا ..

أما الضرر الثاني و الأهم هو الإساءة لسمعة العمل الخيري بشكل عام، ولسمعة جمعية خيرية تعمل بجد ودأب على خدمة ذوي الحاجة من جيران بيت الله الحرام على مدى أكثر من ستين عاماً ، و هو ما قد يؤدي إلى انصراف المحسنين عن التبرع لها، ويصرف المتطوعين للعمل فيها من السادة أعضاء الجمعية العمومية و مجلس الإدارة وهو ما سينعكس سلباً على المستفيدين و سيكونون أكثر المتضررين، و عندها يكون القائمون على البرنامج قد أساءوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

وأما تجاهل كلام مدير الجمعية فقد بدى واضحاً أكثر من مرة، ولعل أبرزها هو عدم تصديق إيضاحاته المتعلقة بعدم علمهم بموعد الهدم، ثم عدم تصديقه لعدم معرفتهم بقدر التثمين للعمارة بافتراض أن هذا الكلام في رأيه غير معقول، ثم التجاهل لعدد البرامج التي تمولها الجمعية، وتجاهل ميزانيتها للصرف على هذه البرامج التي تجاوزت الأربعين مليون ريال، وتجاهل الجهد الذي يبذله القائمون عليها لتوفير هذا الحجم من الأموال، وتجاهل الجهد الذي كان وراء امتلاك الجمعية لما قام بتعداده من عمائر، و تجاهل استفادة المشاركات في الحوار من عدة برامج منها الإسكان و كفالة الأيتام و كفالة الأرامل حصص المواد الغذائية وصب جام غضبه على الجمعية و حرّض عليها بينما هي في الحقيقة ضحية مثل السكان لقرار هيئة التطوير بهدم العمارة .. وبدى واضحاً أنه و فريق إعداده لا يعلمون الأوضاع في مكة المكرمة التي تعاني من شح المساكن، وارتفاع إيجاراتها بسبب هدم عشرات الآلاف من العقارات خلال السنوات الماضية، وتوقع إزالة عشرات آلاف أخرى في السنوات القادمة..

ولذلك في رأيي غابت الموضوعية والمهنية عن الحلقة بشكل مريع .. فالإعلام المهني و الإعلامي المحترف عليه خدمة القضية التي يطرحها بموضوعية ، و عليه الموازنة بين آراء أطرافها، وأن يكون هدفه خدمة الحقيقة والمصلحة وليس التشفي والتهجم و التشنيع و التشهير بالناس، خصوصاً من هم أقرب للخير والمبادرين لأعمال الخير تطوعاً في الجمعيات الخيرية، و الذين يبذلون من أجل المستفيدين من أعمالها من أنفسهم و أموالهم وأوقاتهم الشيء الكثير.

بقي أن أقول بأن جمعية البر بمكة هي أولى جمعيات البر في المملكة وظلت على مدى ستين عاماً تخدم ذوي الحاجة من جيران بيت الله الحرام ، وهي تعمل على خدمة ورعاية آلاف الأسر، والأرامل والأيتام وتعمل على نقلهم من مرحلة الحاجة إلى مرحلة الاكتفاء و الإنتاج، وهي تعمل بكفاءة عالية في تنمية مواردها ونجحت في مضاعفتها دورتها الأخيرة وفي تطوير وتنوع برامجها في خدمة ذوي الحاجة.

عكاظ اليوم 1434/11/24هـ