آثار سيدة الدنيا .. وتحية للأمير
في العدد الصادر في 19 شوال 1434هـ من هذه الجريدة نشر لي مقال بعنوان: «وغابت الثقافة في مدينة الثقافة».. تحدثت فيه عن المدينة المنورة.. سيدة الدنيا وعاصمة الإسلام الأولى ومهوى أفئدة المسلمين وانطلاقة الحضارة الإسلامية التي قال عنها الرسول ــ صلوات الله وسلامه عليه: «إن الإيمان ليأرز إلي المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها».
كما قال عنها ــ صلوات الله وسلامه عليه: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون..».
وقال ــ عليه أفضل الصلوات والتسليم: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإني أشفع لمن يموت بها».
وقلت في ذلك المقال: إننا كنا نتطلع إلى أنشطة ترقى إلى مكانة المدينة المنورة وإرثها العظيم.. وذلك بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) للعام الحالي 1434هـ الموافق 2013 م.
ولقد أكدت ــ كما أكد الكثيرون غيري من كتاب ومواطنين وزوار ــ الحاجة الماسة إلى العناية بالآثار النبوية التي تحفل بها المدينة المنورة.. وأي آثار أهم وأعظم من آثار النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وصحابته الكرام.
فالآثار النبوية تعكس الدور التاريخي والحضاري للمدينة المنورة وتواكب القيمة العظيمة لهذه الآثار والمكانة الكبيرة لها في نفوس أكثر من مليار ونصف المليار مسلم على امتداد الكرة الأرضية..
فعلى أرضها عاش أفضل الخلق وشيد دولة الإسلام.. وعلى ترابها وأصل الخلفاء الراشدون مسيرة الدولة الإسلامية.. ومنها انطلقت الرسالة الإسلامية السامية إلى باقي مساحات الأرض.. مكتسحة إمبراطوريات ودولا حقبا زمنية متعاقبة.. ليصل الإسلام إلى أصقاع العالم.
فإلى جانب المسجد النبوي الشريف.. فيها مسجد قباء أول مسجد أسس في الإسلام وفيها جبل أحد الذي قال عنه الرسول ــ صلى الله عليه وسلم: «أحد، جبل نحبه ويحبنا».. والمساجد السبعة التي أقامها الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وصحابته أثناء غزوة الخندق ــ والتي اختفى، للأسف، بعضها ــ وفيها مسجد القبلتين ومسجد الغمامة.. وفيها مرقد صحابة النبي الأكرم عليهم السلام.. وغيرها الكثير من الآثار النبوية التي تقلص بعضها نتيجة لفكر قاصر عن التعامل معها وإدراك قيمتها التاريخية والإسلامية والحضارية الكبيرة.
آثار عظيمة في عاصمة الإسلام الأولى.. كنوز أثرية تحوي تاريخ الإسلام.. تستنطق الأحداث وتستخلص الدروس والعبر.. وهي ــ لا ريب ــ مفخرة عظيمة لهذه البلاد وأهلها.
ومن هذا المنطلق، فان العناية بالآثار النبوية في المدينة المنورة تعد مسئولية تاريخية، ولكننا ــ للأسف ــ نتعامل مع آثارنا الإسلامية العظيمة بنظرة قاصرة عن إدراك القيمة الدينية والتاريخية والحضارية لهذا التراث العظيم.
وبهذا نجحف في حق أنفسنا وفي حق الأجيال القادمة.. بل وفي حق التاريخ الإسلامي.
ولهذا، فلقد أسعدني وأسعد الكثيرين غيري تصريح سمو الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة الذي أشار فيه أن المدينة المنورة هي عاصمة الثقافة الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام.
مؤكدا بأنها «ستشهد ــ إن شاء الله ــ العديد من البرامج لتعزيز مكانتها كواجهة حضارية عالمية، والعناية بهويتها المعمارية وآثارها وتهيئتها للزوار».
تصريح سمو الأمير فيصل بن سلمان هذا أدخل السرور في نفوسنا جميعا.. حيث جاء في وقت نشعر فيه بالحاجة الماسة إلى العناية بهذه الآثار بما يليق بقيمتها التاريخية والإسلامية العظيمة.. وتهيئتها لزوار المدينة الذين يفدون من مختلف أصقاع المعمورة متطلعين لرؤية آثار الرسول المصطفى ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وصحابته الكرام.
ويعكس هذا التصريح الرؤية المستنيرة التي يحملها الأمير فيصل.. والتي تستند إلى علم وخبرة وفكر مضيء غير مستغرب من نجل سلمان بن عبدالعزيز.. فكرا مضيئا وهمة عالية.. تتجاوز محددات فكر بالٍ يعوق تطورنا ويوقف تقدمنا.
فتحية للأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة.. الذي نتوقع أن تشهد «سيدة الدنيا» في عهده تطورا كبيرا ونهضة شاملة واهتماما بالآثار النبوية يليق بمكانتها لدى المسلمين وبقيمتها التاريخية العظيمة.. وذلك بتوفيق من الله ــ سبحانه وتعالى ــ أولا وأخيرا، ثم بدعم واهتمام خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين.
عكاظ 1434/11/2هـ