جـدة داخـل السـور

.. في مستهل عام 1384هـ صدرت الموافقة السامية على إنشاء مؤسسة عكاظ فاختار أعضاؤها لجنة للتأسيس مكونة من : معالي السيد أحمد شطا، والأستاذ أحمد قنديل، والأستاذ عمر عبد ربه، والأستاذ علي أبو العلا، والسيد معتوق حسنين، وقد اختارني أعضاء اللجنة التأسيسية سكرتيرا لها فاضطـررت لأن أستقيل من جريدة البلاد التي كنت سكرتيرا لرئيس تحريـرها أسكن بمكة المكرمة ومن ثم أتوجه في الصباح الباكر لجدة لمباشرة العمل، ثم العودة إلى مكة آخر الليل وهكذا دواليك.

غير أن اختياري سكرتيرا للجنة التأسيسية لعكاظ والتي كانت تعقد اجتماعاتها بمكتب السيد معتوق حسنين إلى أن تم استئجار مقر لها بشارع المطار، فرض علي التواجد بجدة فاستأجرت شقة في عمارة «باقبص» بحارة البحر وبجوار العمارة مقهى يتمركز به خيرة من رجال وشباب جدة وفي مقدمتهم الشيخ محمد درويش رقام الذي كان صديقا لأخي الأستاذ عبدالعزيز فرشوطي الذي زارني ذات مساء بالشقة واقترح علي أن نشرب الشاي بالقهوة، فكانت فرصة أن تعرفت على تلك المجموعة التي كان عمدتها وعمادها الأخ محمد درويش رقام الذي راقني حديثه ومروياته عن جدة وأهلها وعن البحارة ومغامراتهم وعن التجارة وممارسيها.كان الشيخ محمد رقام راوية من الدرجة الأولى ولذلك فقد استهواني الجلوس معه ضمن من يجتمعون معه بالمقهى للاستماع لما يرويه عن شتى الموضوعات.ومما أذكر أنه في آخر ليلة من رمضان حل العيد قبيل منتصف ليلة الثلاثين، ومع أن ذلك كان مفاجئا يقتضي من كل واحد منا المسارعة لشراء ما قد يلزمه من احتياجات إلا أن انسجامنا مع حديث الرقام لم يدعنا نغادر المقهى إلا عندما اقترب آذان الفجر حيث توجهنا للسوق لشراء الحلوى و «الأمبه» وبعض ما يحتاج إليه المنزل لأيام العيد إذ كانت جميـع المتاجر والدكاكين تقفل خلال الأربعة أيام التي هي أيام العيد بخلاف ما يحدث في الوقت الحاضر حيث تجد ما تريد بالليل والنهار خلال أيام العيد مثلما هو الحال على مدار أيام العام!!.

تذكرت كل ذلك وأنا أتسلم من أخي الأستاذ سراج عبد ربه الكتاب الذي أصدره الشيخ محمد درويش الرقام بعنوان : (جدة داخل السور ).

والواقع أني قرأت الكتاب فوجدته حافلا بالمرويات لكني افتقدت ذكريات ذلك الزمن الجميل، كما صدمني ما صادفته من أخطاء لغوية ومطبعية رغم أن الذي كتبه وأعده للنشر الأستاذ عبد الله فراج الشريف التربوي والكاتب الصحافي المعروف.

والذي أرجوه من أخي الشيخ محمد رقام أن يواصل رواية ذكرياته عن الزمن الجميل الذي عاشه أبناء جيله.. وله الشكر أنه تذكرني بعد أن مر على معرفتي به حين من الدهر.. وكان افتراقنا خلاله لمقتضيات الحياة.آيــة : (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور).وحديـث : « إن الرجل يدرك بالحلم درجة الصائم القائم »..

شعـر نابض : فإن قليل الحب بالعقل صالح ... وإن كثير الحب بالجهل فاشل.

عكاظ 1434/10/10هـ