دمعة حزن على رجل خدم وفود الرحمن

الحمد لله القائل: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) «195 سورة آل عمران»


والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.


فقدنا بالأمس أحد الرجال الذين أكرمهم الله تعالى بالمشاركة في خدمة وفود الرحمن وزائري مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن منّ الله عليه بحسن العمل وطول العمر فانطبق عليه وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم حين سئل عليه الصلاة والسلام أي الناس خير؟ فقال:»من طال عمره وحسن عمله» أنه العم مصطفى زيتوني الذي دخل العقد العاشر من عمره وأحسبه من أكبر رجال فئة الأدلاء في المدينة المنورة وهو مستمر في الترحيب بمن يخالطهم من زائري مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو متمتع بكامل حواسه وأنها لمن أكبر نعم الله تعالى على الفرد بعد إيمانه بالله جل وعلا أن يكون قادرًا على خدمة نفسه بنفسه بل ويكون قادرًا على العطاء وهذه من النعم التي تستوجب شكر المولى جلت قدرته وتعالت عظمته وما أجمل الذكرى العطرة للشخص خصوصًا بعد رحيله للرفيق الأعلى.


فقد كان العم مصطفى زيتوني كريم النفس طيب السيرة والسريرة يحرص على الوفاء مع الصغير والكبير ومع وفود الرحمن بشكل أكبر حتى يترك لديهم أطيب الذكريات بعد عودتهم لبلادهم بذكر حسن معاملة أبناء هذا الوطن المعطاء الذي يسعد أبناءه التفاني في أداء واجب خدمة وإكرام ضيوف الرحمن من المعتمرين والزائرين للمسجد النبوي الشريف وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الذي تخلى عن كل الألقاب ليؤكد عشقه وحبه لوفود الرحمن وخدمتهم أمد الله في عمره وزاده توفيقًا.


ومما حكاه العم مصطفى زيتوني - رحمه الله تعالى - أثناء تجاربه في التواصل مع الحجاج إبان العمل الفردي وعندما كان يجوب العديد من المطوفين والأدلاء العديد من الآفاق الإسلامية ليتواصلوا مع الحجاج آنذاك ولتقوية اللحمة فيما بينهم أنه ذات مرة عرض عليه مجموعة من الحجاج الذين وجدوا منه حسن المعاملة أثناء زيارتهم للمدينة المنورة ومن باب إكرامهم له أن يأخذوه في برنامج ترفيهي ليتعرف على بلادهم وكان من بين حلقات البرنامج بعد التعرف على معالم وآثار تلك البلاد والعادات والتقاليد لحجاجها هو أخذه إلى أحد دور السينما لمشاهدة بعض الأفلام المسرحية الهزلية وكان ذلك قبل دخول التلفزيونات للبلاد، يقول - رحمه الله -: فشعرت بشيء من الحرج واعتذرت بلطف ولباقة منهم لأني قلت في نفسي أن نظرة هؤلاء الحجاج لمن يأتي من بلاد الحرمين الشريفين نظرة فيها الكثير من الثقة والاحترام وحسن الظن والتوقير وإن ترددي على مثل هذه القاعات السينمائية ربما لا يتناسب من مكانة من يأتي من مثل هذه البلاد الغالية بمقاييس ذلك الزمن، يقول: فكنت أعتذر عن الذهاب فقط للحرص على السمعة.. ومثل هذه القصص والتجارب تشير إلى توخي الحذر من ذلك الرعيل الطيب. وهنا نؤكد على أهمية الحرص على السمعة الطيبة لكل من أكرمه الله بخدمة ضيوف الرحمن بشكل خاص حتى يكون صورة صادقة وسفيرًا لوطنه العزيز أمام جموع وفود الرحمن الذين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم.. فما أحوجنا إلى القدوة الصالحة والتأسي بها.


رحم الله العم مصطفى زيتوني وأسكنه فسيح جناته وبارك في أبنائه ليواصلوا سيرة أبيهم في المشاركة في خدمة وفود الرحمن وكسب دعواتهم فاللهم أنزل رحماتك على قبره وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وبارك في عقبه وأجعلهم خير خلف لخير سلف ووفق الجميع لعمل صالح مبرور يبقى سناه على مر الدهور.. إنك سميع مجيب.


وصلوات الله على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين.

المدينة 1434/10/9هـ