دعه يصيح حتى ينشق حلقه

عادة ما تنشأ في المجتمعات البسيطة حكايات وروايات يتم تداولها على أنها حقيقة من الحقائق التي لا تقبل الجدل بينما تكون تلك الحكايات والروايات مختلقة منسوجة من الخيال،

وفي أم القرى على سبيل المثال تداول الناس قبل عشرات السنوات أن من يأخذ حجراً ولو صغيراً من أحجار مكة المكرمة ويخرجه منها فإن الحجر يظل يصيح بصوت غير مسموع بالنسبة للإنسان وإنما تسمعه البهائم والجان، فلا يسكت الحجر المخرج من حدود الحرم إلى الحل حتى يأتي من يعيده إلى الداخل فيهدأ صياحه ويطمئن. وكان بعض الناس يتداولون هذه الرواية وهم على يقين من صحتها ولذلك يتجنبون أخذ أي حجر من مكة المكرمة إلى خارجها حتى لا يصيح ولا يسمحون لأطفالهم بذلك حتى لا يأثموا واستمر تداول الرواية حتى سمع بها أحد العلماء فأراد نقضها فقام بحمل حجر معه إلى خارج حدود الحرم فقال له أحد طلابه: أعده يا مولانا إلى مكانه حتى لا يصيح فرد عليه العالم: دعه يصيح حتى ينشق حلقه، فسأله طالب العلم وهل للحجر حلق، فأجابه: وكيف إذن يصيح يا فصيح؟!.

وهناك حكاية أخرى يؤكد رواتها أن مبنى الكعبة مرتفع إلى عنان السماء ولكن الناس يرونها على هيئتها المعروفة لعدم نزاهة طعامهم واختلاط الحرام بالحلال، وحتى يؤكدوا روايتهم زعموا أن عالماً قدم من جنوب الجزيرة قاصداً أم القرى ومعه ابنه الصغير ذو السنوات السبع، فلما أقبل على الكعبة نظر الطفل إليها وقال له يا أبت إنها مرتفعة إلى عنان السماء، مع أن والده العالم كان يراها على هيئتها المعتادة فخرج من الحرم وأخذ حبة تمر من بائع دون أن يدفع ثمنها وألقمها ابنه فأكلها ثم دخلا الحرم فسمعه يقول إن الكعبة صارت قصيرة!

وهذه الحكاية الخيالية جعلت بعض المكيين أو الحجاج يجزمون أن حمام الحرم وطيوره لا تستطيع المرور والطيران من فوق الكعبة أو الوقوف على حواف سطحها، لأنها حسب تخيلهم مرتفعة إلى عنان السماء ولكنهم يرونها على حالتها لعدم صفاء ما يدخل جوفهم من طعام،

وقد سمع بهذه الحكاية المؤرخ المكي الشهير الشيخ محمد طاهر كردي، يرحمه الله، فقام في الستينات الهجرية بتصوير الحمام وهو يمر من فوق الكعبة ويقف على حواف سطوحها وأثبت ذلك في كتابه الشهير الذي ألفه عن تاريخ البلد الأمين، والعجيب أن أديب العربية عباس محمود العقاد، يرحمه الله، وهو صاحب العقل الكبير صدق تلك الرواية الشعبية التي نقضها الكردي علمياً وذكر في انطباعاته التي كتبها عندما زار مكة المكرمة أنه ظل يرصد الكعبة عدة أيام فلم ير حمامة تطير فوقها وكأنه يؤكد صدق الرواية!!.

عكاظ 1434/9/21هـ