جميل الحجاز الذي قد غبر!
يزودني سعادة الدكتور هاشم عبدالغفار الوكيل الأسبق لوزارة الصحة، وهو وكيل عاصر في منصبه خمسة وزراء، ولديه الكثير من الأسرار والمعلومات التي يرفض البوح بها لأحد، بل إنه ممتنع عن إجراء أي حديث صحفي حول عمله السابق، وقد بلغ حاليا الخامسة والثمانين من عمره المديد، يزودني سعادته بين الفينة والأخرى بشيء مما في «خزانته» من أوراق عن مواقف سمع بها أو عايشها أو عاصرها، وقد أرسل لي في الآونة الأخيرة قصيدة نظمها الشاعر المكي الراحل المربي الفاضل إبراهيم فطاني ــ رحمه الله؛ لأن للقصيدة قصة، وهي أن رئيس البعثة التعليمية المصرية زار المملكة عام 1357هـ، فأقامت له مديرية المعارف حفل تكريم بفندق بنك مصر بأجياد بمكة المكرمة، حضره عدد من رجال التعليم، وعلى رأسهم الشيخ طاهر الدباغ مدير المديرية، وذلك قبل إنشاء وزارة المعارف.
فأخذ الضيف المصري يمتن على أبناء الحجاز، وأن المصريين جاؤوا لتعليمهم، وكأن ذلك المن لم يعجب الشاعر الفطاني وبعض رجال التعليم الحاضرين، فطلبوا من شاعرهم الرد على ما قاله رئيس البعثة المصرية، فانسحب الشاعر لدقائق معدودات كتب خلالها قصيدة تبلغ أبياتها نحو عشرين بيتا أحسن بها الرد على ما سمعه من الضيف المصري، حيث قال في بعض أبيات القصيدة:
تلفت أسألها ما الخبر ... وفيم الدلال ومم الخفر
فأبصرت حفلا بهي الرؤى ... تصدره مخلصون غير
على الرحب هذي ربوع البلاد ... لكم موطن وبها مستقر
ثم يعرج الشاعر على ما من به الضيف على أبناء الحجاز، فيواصل الفطاني قصيدته بقوله:
فأنتم أثرتم لنا الذكريات ... وبالذكريات هدى المعتبر
فمن ها هنا شع نور الهدى ... وفي الخافقين سما وانتشر
ومن ها هنا قام ذاك الرسول ... على الدين يدعو ويتلو السور
ويواصل في أبياته ذكر الفتوحات التي انطلقت من أرض الحجاز إلى مصر والشام إلى جبال البرنس في أوروبا، وأن من شاد وقاد وساد هم أبناء مكة المكرمة وليس غيرهم، ليختم الفطاني قصيدته ببيت القصيد الذي قال فيه:
إذا جئتم كي تردوا الجميل ... جميل الحجاز الذي قد غبر!
وأتوقع أن يكون مدير المعارف الشيخ الدباغ قد شكر للشاعر الفطاني أبياته، وأن الضيف المصري قد علت شفتيه ابتسامة ذات معنى؟!.
عكاظ 1434/9/13هـ