الشعبنة

على الرغم من إصرار البعض على ربط الشعبنة بمفاهيم سلبية لا مبرر لها إلا لديهم لأن هدفها الحقيقي العودة والابتهاج فهي عادة احتفالية ارتبطت في ذاكرتنا بالكثير من الصور البديعة ففيها نذكر بمن قال ومن فعل ومن عاش ومن رحل.
ففي نهاية شهر شعبان تجتمع الأسر أو الأصدقاء في أماكن رحبة كالبر أو الاستراحات أو المنازل الكبرى للشعبنة، حيث يشتركون جميعاً في تحمل تكاليف هذا الاحتفال لتأكيد ترابطهم وحرصهم على عدم تحميل أحدهم كافة النفقات من جهة وليشعر كل فرد بأهميته من جهة أخرى فهي عادة سنوية محببة لدى الكثير من أبناء المجتمع الذين يرون فيها تجديداً للروابط الاجتماعية والاحتفاء بتقاليدهم الشعبية المتوارثة من طعام وألعاب شعبية في جو من المودة والغبطة تتصافى فيه النفوس وتتسامح ليدلفوا إلى الشهر الكريم في صفاء روحي لحرص الكثيرين على إزالة الخلافات الموجودة بين الناس خاصة في الاحتفالات الشعبية بين أبناء الحي كما أنها فرصة سانحة لحضور الغائبين والمغتربين هنا وهناك وكذلك المنشغلين في خضم العمل أو للدراسة من الأهل والأصدقاء حيث تتسامر العوائل والمجموعات في جو من المودة والمرح للترفيه قبل دخول شهر رمضان، والتفرغ للعبادة في “الشهر الكريم”.
ولهذا الاحتفال أشباه في معظم البلاد العربية وغيرها بمسميات مختلفة وسنطرح بعض هذه العادات على سبيل المثال: ففي لبنان يسمونه “السيبانة” نسبة إلى الاستبانة وهي استطلاع هلال الشهر الكريم ويحتفلون به عادة في التاسع والعشرين من شعبان حيث تخرج العائلات ليراقبوا غروب الشمس على شواطئ مدينتهم، حاملين معهم الحلوى والطعام ويمضون وقتاً بهيجاً بانتظار الاستبانة أي التماس الهلال ليحمل عدد منهم الخبر اليقين لدار الفتوى الإسلامية للإدلاء بشهاداتهم، ومتى يتم التأكد من أن هؤلاء هم موضع ثقة، يتداول المعنيون هذه الاستبانة، ويعلن بدء شهر الصوم وتطلق المدافع احتفالاً بذلك ثم أصبحت تقام هذه المناسبة في أواخر شعبان بالصعود إلى المناطق الجبلية كما تتحلق كثير من الأسر لتناول طعام الغداء في جو مميز داخل المطاعم التي تحرص على تقديم أفضل خدماتها.
أما في البحرين فتحتفل الأسر بليلة منتصف شعبان ويسمونها ليلة “الناصفة” حيث يوزعون فيها الحلوى والهدايا والنقود على الأطفال أما في سوريا فتسمى هذه المناسبة “تكريزة رمضان” حيث يذهبون في نزهات للبراري والبساتين بشكل جماعي يضم العديد من الأهل والأقارب والجيران ويتم خلالها تنوال الأطعمة المميزة التي تختفي من المائدة الرمضانية وسط أجواء الطبيعة الخلابة فيظلل الفرح نفوس الجميع.
أما في اليمن فتحتفل بعض المناطق بما يسمى بالشعبانية عند ثبوت رؤية هلال رمضان حيث يبدأ الرجال بالتهليل والتكبير والأناشيد الدينية المعروفة منذ القدم وهناك الكثير من تلك المظاهر في البلاد المختلفة. ونخلص إلى القول إن الشعبنة مهما اختلفت مسمياتها وطرق الاحتفال بها فهي كرنفال شعبي متوارث يهدف إلى تحقيق التواصل الاجتماعي في جو من الترفيه البريء الذي لا يستحق ربطه بكل تلك المصطلحات التجهيلية والاقصائية والاتهامات الجزافية.
فالحياة أكثر رحابة من كل ذلك والإسلام دين المحبة والسلام طالما لم يقع المرء في المحظور أو المحرم المنصوص على تحريمه. فهلا نظرنا إلى الجانب المشرق للحياة.
وكل شعبنة ورمضنة وأنتم بخير.

جريدة المدينة /  الاربعاء 26/8/1429هـ