مبنى المحكمة يا معالي الوزير!

قال لي أحد المكيين المعمرين إنه كان للمحكمة الشرعية الكبرى العامة بمكة المكرمة مبنى حكومي تعمل به المحكمة، ويقع بجوار الحرم أمام «باب دريبة»، وهو أحد الأبواب القديمة للمسجد الحرام، ولكن ذلك المبنى تم هدمه وإزالته في السبعينات الهجرية، أي قبل نحو ستين عاما، عند البدء في التوسعة الأولى للمسجد الحرام في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز ــ رحمه الله، ومن ذلك اليوم وحتى تاريخ كتابة هذه السطور والمحكمة تتنقل من مبنى مستأجر إلى مبنى مستأجر آخر، وبإيجارات بلغ مجموعها مئات الملايين من الريالات، وفي مواقع صعبة ليس بها مواقف لسيارات المراجعين أو حتى العاملين في المحكمة.

وأقول، وبالله التوفيق: إن مشروع بناء مقر لمحكمة مكة المكرمة بدأ الحديث عنه قبل ما يزيد على ثلاثين عاما، وأعلن في الصحف أنه رصد للمشروع خمسمائة مليون ريال، واختيرت أرض القشلة من جرول لتنفيذ المشروع عليها، فطلب مالكها أربعة أخماس المبلغ المرصود، وبدأت عملية إزالة بعض المباني القديمة في القشلة، على أساس تعويض المالك عن أرضه التي سبق له الحصول على صك منحة عليها والبناء بالباقي، ولكن المشروع توقف ودخل نفق الصمت، والمحكمة لم تزل تنتقل من مبنى مستأجر إلى آخر، حتى طافت جميع أحياء مكة المكرمة من جرول إلى حي العدل إلى العزيزية إلى كدي إلى أحياء أخرى نسيت اسمها «الآن»!، ولكن كان آخرها المبنى الموجود على الخط الدائري ذا الأدوار المتعددة الذي به مصاعد مغلقة للاستخدام الخاص، وأخرى غير مصانة هلك فيها ذات عام مراجع عندما فصل المصعد رقبته عن جسده أمام بقية المراجعين.

وقد أبلغني أحد الإخوة المحامين عندما جرى الحديث عن مشروع مبنى المحكمة العامة بالعاصمة المقدسة أن وزارة العدل استلمت قبل ما يزيد على أربع سنوات أرضا في بداية حي العوالي بأم القرى، مجاورة لمبنى مستشفى النساء والولادة، مساحتها ستون ألف متر مربع، سلمتها أمانة العاصمة المقدسة للوزارة لإنشاء مشروع مبنى المحكمة، كما جرى الحديث إعلاميا عن رصد مبلغ كبير للمشروع، ولكن مرت السنوات الأربع ولم يبدأ التنفيذ، وجرت مخاطبات عدة بين المحكمة والوزارة التي يرأسها وزير حصيف معطاء نشيط هو معالي الشيخ الدكتور محمد العيسى، ولكن لم ينتج عن ذلك شيء على أرض الواقع، في الوقت الذي بنيت فيه عشرات المباني للمحاكم العامة والجزئية في عدد من مدن ومحافظات البلاد، فكيف تظل أول محكمة في المملكة من حيث النشأة وامتلاك مقر، بعد ستين عاما من إزالة مبناها، مثل القطة التي تنقل أولادها كل يوم من موقع لآخر، وهل يرى هذا المشروع النور قريبا، أم أنه سيحتاج لعقود جديدة لتضاف إلى عقود سبق انقضاؤها دون نتيجة؟!

عكاظ 1434/9/1هـ