مكّة المكرّمة ولون الملائكة

أذكر أنّ أحدَ أمناء مكّة المكرّمة السابقين أراد أنّ يُحوِّلها إلى مدينة بيضاء، تتّشح بيوتُها باللون الأبيض، لون الملائكة الكرام، الذي هو اللون الأكثر ملاءمةً لعاصمة الإسلام المُقدّسة!.


وللأسف لم يحصل هذا، لا على يد ذلك الأمين، ولا على أيدي الأمناء الذين جاءوا من بعده، وما زالت معظم بيوت مكّة المكرّمة غير مدهونة باللون الأبيض، بل إنّ كثيرًا منها لم يُدهن أصلاً بأيّ لون، في السهول كما على الجبال، ومظهرها الخارجي بطوب بنائها الطيني، الأحمر غير الـمُليّس، جعل مكّة المكرّمة تبدو حمراء، لا تسرّ عيون الناظرين!.


هذا في الوقت الذي نجحت فيه مدنٌ كثيرةٌ في الخارج، بميزانيات أقلّ، وبمستوى مادّي أقلّ للسُكّان، لكن بتعاون كبير بين سلطاتها البلدية وسُكّانها، في التحوّل إلى اللون الأبيض، ومن آخرها مدينة عشق آباد التركمانستانية، فقد دخلت مؤخرًا موسوعة جينيس للأرقام القياسية، بسبب ارتداء جُلّ بيوتها لِحُلّة بهيّة من اللون الأبيض، سواء بطلائها أو بتكسيتها بالرخام الأبيض، بل حتى جوانب طرقاتها قد صُنِعت من حجارة بيضاء ورخام أبيض، الأمر الذي صُنِّفَت معه كأكثر المدن بياضًا على وجه الأرض!.


وإذا قلت إنّ مكّة المكرّمة أوْلَى من عشق آباد، ومن أيّ مدينة أخرى على وجه البسيطة بهذا اللون، فلا أقوله تقليدًا عُميانيًّا، أو حسدًا، أو غيْرةً، لكنّ اللون الأبيض هو لون السلام، فما المدينة الأوْلى به من مكّة المكرّمة، وهى مثوى السلام والمحبّة والوئام؟ واللون الأبيض دليل على طمأنينة للنفس، وما المدينة الأعظم جلْبًا للطمأنينة والسكينة من مكّة المكرّمة؟ وفيها بيت الله العتيق، ومسجده الحرام، وهي مهبط الوحي لأكثر من ثلاثة عشر عامًا، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يلبس الأبيض ويأمر بلباسه، حيث قال: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم)، رواه ابوداود والترمذي وصحّحه الألباني، فهلّا أُعيد إحياء فكرة تحويل مكّة المكرّمة لمدينةٍ بيضاء.. بعد ممات، ضمن المشروعات التي تجري فيها صبح مساء!.

المدينة 1434/7/24هـ