قراءة هادئة لما يجري في غرفة مكة
يعيش الوسط التجاري في مكة المكرمة أجواءً متوترة ومشحونة في الأسابيع الماضية بدءًا من اللحظة التي تم فيها انتخاب النائب الأول لرئيس مجلس الإدارة ومروراً بقرار أغلبية أعضاء المجلس تدوير المناصب وانتهاءً بتأكيد معالي وزير التجارة على إبقاء الوضع على ما هو عليه وغض الطرف عن أصوات الأغلبية.
فكما هو معلوم أن الانتخابات في الغرف التجارية -وفي غيرها بالمناسبة- عبر تاريخها الطويل مبنية على التحالفات ، و أي تحالف يتم وفقاً لشروط يتفق عليها المتحالفون و (المؤمنون على شروطهم).
والتحالفات عموماً تهدف إلى إحداث تكتل أو تجمع من أجل الحصول على أغلبية في المجالس و بالتالي التمكن من إدارة دفة الأمور وتوجيهها فيما يخدم أهداف التحالف المعلنة في خدمة الكيان و تحقيق رغبات أغلبية الناخبين.
وشروط التحالف يجب أن يتم الالتزام بها ولا يتم الإخلال بها إطلاقاً إلاّ من خلال الإعلان عن إنهاء التحالف أو تعديل شروطه ليكون بذلك تحالفاً جديداً ، والله سبحانه وتعالى يقول: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً) أي العهد الذي تعاهدون عليه الناس ، والعهد سيسأل صاحبه عنه ، و قال سبحانه موجهاً نبيه الكريم: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) أي : أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم ، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء ، و هنا ملحظ مهم يؤكد على تعظيم قدر العهد عند الله وهو وجوب الإعلام بنقضه بمجرد الخوف من خيانته وقبل وقوعها.
وبعد هذه المقدمة وبعد ما أحدثه قرار أغلبية مجلس الإدارة بغرفة مكة بتدوير المناصب من ضجة ودوي في الأوساط التجارية و الصناعية في مكة المكرمة والمملكة عموماً و أثار دهشة غالبية المهتمين وبعض المسئولين ؛ و بحكم قربي من الغرفة و أعضائها منذ فترة طويلة ومما نُشر في الصحافة طوال الأسبوع الماضي ؛ أود أن أقدم قراءة هادئة لما جرى لعلها تسهم في وضع الأمور في نصابها وإعادة المياه لمجاريها بما يخدم المصالح العامة لمكة و تجارها واقتصادها أولاً و قبل أي شيء.
ولعلي في البداية أوافق على أن قرار الأغلبية تدوير المناصب الذي تضمن تنحية الرئيس و نائبيه كان سريعاً مفاجئاً للجميع .. ولكنه برغم ذلك ينسجم مع قواعد العمل الجماعي القائم على مبدأ الانتخاب ، إذ من يملك صلاحية اختيار الرئيس هو من يملك صلاحية اختيار غيره .. و حسب علمي -و حسبما نُشر أيضاً- أنه لا يتعارض مع نظام الغرف التجارية التي تعطي حق اختيار الرئيس لأعضاء المجلس ، و ليس لأي جهة أخرى بما في ذلك وزارة التجارة ، التي أعطي لها حق المشاركة فقط من خلال تعيينها لثلث أعضاء المجلس.
قرار الأغلبية و مفاجأته و سرعته لم يأتِ من فراغ وهو في رأيي يعكس حجم الإشكال الذي وقع و حجم الأثر ..
المشكلة هي إخلال البعض بالعهد (المغلظ) و الوعد الذي قطعوه على أنفسهم ، و الأثر هو تفتت المجلس وتشظيه إلى كتل صغيرة ، وانفضاض الأغلبية من حول رئيس المجلس المنتخب قبل تدوير المناصب وبالتالي أصبح بدون أغلبية تمكنه من الانطلاق بالغرفة و إكمال مسيرتها المظفرة في دورتها السابقة..
ومادام الحال كذلك فكان من المهم التفكير في كيفية إعادة اللحمة و الانسجام و التعاون للمجلس من أجل تحقيق (العمل بروح الفريق و دعم مسيرة الغرفة و تعزيز مساهمتها الإيجابية في عملية التنمية الوطنية) وكان ذلك من خلال قرار تدوير المناصب وهو ما يؤكده تأييد ثلثي الأعضاء له ..
في رأيي إن إيجابيات السرعة و المفاجأة في اتخاذ قرار الأغلبية بتدوير المناصب تتفوق على سلبياتها ومن ذلك وأد الفتنة في مهدها وعدم إفساح المجال للمهاترات و النزاعات والاساءة لسمعة الغرفة أو أياً من أعضائها ، فالنزاع سيُذهب جهود المجلس و يجعل نصيبهم الفشل و الله سبحانه يقول (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ..
أما التأكيد على إبقاء قيادات الغرفة بعد أن أصبحوا يمثلون أقلية صغيرة لتقود الأغلبية فلن يمكن مسيرة الغرفة من الانطلاق و ستكون أجواؤها مشحونة بالصراعات و النزاعات و في النهاية الفشل الذريع وهو ما يجب التنبه إليه و عدم السماح به ..
و كما نبهت الإشارة التي وردت في أحد تصريحات الأغلبية إلى مفهوم الجماعة و أن الأغلبية تمثل الجماعة و أن (يد الله مع الجماعة) فإن التطلع و الأمل كبير بأن تضع وزارة التجارة يدها مع الجماعة في غرفة مكة وهو ما سيدعم إطلاق مسيرة الغرفة من جديد و استكمال البناء على ما سبق من إنجازات ..
جريدة المدينة 1434/7/22هـ