رشدوا الهدم في مكة
صرخة انطلقت من حناجر ساكني مكة المكرمة وهم يشاهدون حجم الهدم الذي تم وحجم الهدم الذي سيتم، دون أن يبدو في الأفق ثمة تعويض ببناء قادم وإن بأقل حجما. نعم هناك مشاريع يجب أن تتم سواء لتوسعة المسجد الحرام أو محطات القطار وأماكن خدماتهما، لكن الهدم تناول أحياء أخرى لمد الطرق الدائرية، وأحياء اكتشف الآن أنها عشوائية، وهدميات أخرى لإقامة أبراج سكنية، وهدميات لا يعرف لها سبب كشعب عامر، كل هذا تزامن في وقت واحد على مكة دون أدنى برمجة أو جدولة أو تنسيق حتى بلغ مجمل ما تم هدمه أكثر من 20 ألف عقار وربما يتضاعف العدد بعد مشاريع الهدم القادمة.
لن أتحدث عن تأثير ذلك على رفع أسعار الأراضي فوق طاقة المواطن الميسور فما بالكم بمحدود الدخل، لن أتحدث عن مقدار التعويض وطول مدة استلامه فتنقص قيمته الشرائية جراء تصاعد الأسعار المستمر لقلة المعروض بل إنقاص المعروض من الأراضي، كل هذا حديث مشاع في مكة وضجت به أخبار النت ومواقعه الاجتماعية. لن أتحدث كذلك عما أتى عليه هذا الهدم من آثار تاريخية كمسجد الراية وكثير غيره ليساهم مع هدم أحيائها وشعابها في طمس هوية وشخصية مكة وتطورها عبر التاريخ وتخريب ذاكرتها الجمعية، إذ لكل مدينة ذاكرة، ومدن عالمية كثيرة مازالت محتفظة بذاكرتها محافظة على هويتها العتيقة بالتناغم مع عمليات تطويرها. أتحدث عن تعويض من فقدوا منازلهم، فالأمر بلغ مرحلة الأزمة في مكة بشكل غير مسبوق، ولو حدث مثله في أية مدينة من مدن العالم لأعلنت حالة الطوارئ. إن لم يكن ممكنا البناء الفوري مقابل كمية الهدم فلا أقل من إقامة مراكز إيواء لهؤلاء الذين خرجوا من بيوتهم تحت تهديد قطع الماء والكهرباء والهواء عنهم، وتعويض مادي يتناسب مع تزايد أسعار الأراضي. كل هدم وإزالة بهذا الحجم ولأي سبب، لابد أن يقابله بناء مماثل في الحجم وتعويض مادي يوفر البديل المناسب.
عكاظ 1434/5/14هـ