اثنينيـة أبو سليمان

يواصل صالون شيخنا عبد المقصود خوجة الثقافي جهده التنويري ويتحفنا كل اثنين بوجبة ثقافية دسمة، وللصالون ريادته منذ عقود في تكريم العلماء المبرزين أثناء حياتهم وفي ظل عطائهم المتواصل لتقديم ما يمكث في الأرض وينفع الناس. اثنينية هذا الأسبوع كان فارسها فضيلة الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان، أستاذ علم أصول الفقه وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا وعضو هيئة كبار العلماء حاليا.

آثر العالم أبو سليمان، لكريم تواضعه، ألا يرتبط التكريم بشخصه بل أن يكون بمناسبة صدور كتابه الأخير، وهو تقليد تراثي أصيل في تاريخنا الإسلامي عندما كانت تحتفل حواضر الإسلام بصدور كتاب جديد في أي منها. كشف كتاب عالمنا الجليل «مكتبة مكة المكرمة قديما وحديثا» عن الكنوز المعرفية من الكتب والمخطوطات النادرة والوثائق التي تحويها تلك المكتبة، كما تضمن دراسة تاريخية موثقة لتاريخية وحقيقة المكان الذي ولد فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، مبرهنا ذلك بالأسانيد المتواترة علميا ويعود بعضها للقرون الأولى المفضلة، بل إن أقل الناس معرفة بعلوم الحديث يعرف مغزى قوله عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، وهل أبقى لنا عقيل من عقار، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. الحقيقة إن نقاش موقع ولادة الرسول عليه الصلاة والسلام أمر محدث لم يعرفه أسلافنا منذ عهد موغل في القدم، ولا أعلم لِم بدأ التشكيك فيه منذ عقود قليلة، ولم يجتهد البعض بافتراض أماكن أخرى لوالدته عليه الصلاة والسلام، إن كان خوفا من البدع والخرافات فمرحى، ولكنه أيضا دليل فشل برامج التوعية ضد هذه البدع، فشل لا يبرر إهمال أو هدم المكان الذي يجب أن يكون معلما حضاريا يضم كل ما كتب عن الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. المنع لن يمنع أحدا من الذهاب لذات المكان حتى لو سوي بالأرض، بينما التوعية بنوعية المكان وتأريخيته تمنع كل البدع والخرافات. لو كان وجود الآثار بدعة لأمر عليه الصلاة والسلام بهدم مدائن صالح، لكن الجهل يفعل ذلك وأكثر.

عكاظ 1434/5/11هـ