آثار عاصمة الثقافة

سعدت بقضاء ساعات نهاية الأسبوع في طيبة الطيبة، تشرفت بالسلام على الحبيب معلم البر والوفاء، شفيع المذنبين والمستغفرين. كانت دعوة كريمة من معالي الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة الإسلامية للمشاركة في فعاليات احتفاء الجامعة بمحاضرة الأمير خالد بن سلطان عن الجوانب الإنسانية في حياة رجل البر والخير الأمير سلطان بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ في إطار الاحتفالات المستمرة المصاحبة لإعلان المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية..

وكانت ليلة «مدينية» باستحقاق، اجتمع فيها بر الوالدين بمعاني الوفاء ورسائل العرفان بالفضل لأهله والتعبير عن شكر النعم والتغني بالخصال الحميدة التي تخلد رموز الخير في نفوس الناس وتجعلهم يتضرعون إلى البر الودود أن يرحم أهل البذل والعطاء..في الطريق من المطار إلى الجامعة، وبالقرب من موقع أحد، بدا لي «الصحابي الجليل» جبل أحد مطرقا متأملا ينظر إلى مسيرة التاريخ وأفعال البشر ومواقفهم مما طاف به من حادثات وما جرى بالقرب منه من أحداث وحوادث.. أحسست كأنه يريد أن يقول له: هل تستطيع أن تري أولادك وأحفادك مسرح معركة أحد وتشرح لهم، على الطبيعة، مواقع قوى الخير في صراعها مع الباطل، بعد أن طمستها شهوة الإنسان في التملك، وأخفت معالمها طبقات الأسفلت والمباني المتناثرة؟. هل تستطيع أن تتعرف على مسار الخندق يوم تحزبت قوى الظلام لإطفاء نور الحق في طيبة الطيبة، فأبى القوي العزيز إلا اندحارها؟. هل بوسعك أن تتعرف على طريق النور من مسجد قباء إلى بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن غطته غابات الأسمنت؟. هل تستطيع أن ترشد أبناءك وأصدقاءهم إلى مواقع المساجد والآبار الأثرية والآطام ومواقع أحياء الأنصار ومرابضهم في طيبة الطيبة؟.بوح جبل أحد (المتخيل) جدد في النفس الحديث العلني المتكرر الذي يدور منذ سنوات حول آثار المدينة المنورة، وأسباب اختفائها، والصمت المعيب عن التنادي للمحافظة عليها والوقوف في وجه من يشجع على إزالتها بحجج لا يسندها شرع ولا تستقيم مع المنطق والعقل..وأرى أن الاحتفال بالمدينة عاصمة للثقافة مناسبة جديرة بأن تضع قضية الاحتفاظ بآثارها في المقدمة، ومناقشة ما يدور حولها من لغط بالصراحة والوضوح الكافيين لإظهار الصواب وتجاوز التردد وأسلوب المداراة إلى ساحة الحق، فالمدينة مأرز الإيمان ومنطلق حضارة الإسلام، وآثارها شواهد على نصوص التاريخ، فلا تترك لاجتهادات من لا يدرك عظمة هذا الموروث.

عكاظ 1434/5/11هـ