حمى الضنك في مكة المكرمة يا أصحاب المعالي !!

لعل الكثير منا يتذكر زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز ، لمنطقة جيزان ، عندما تفشى فيها وباء حمى الوادي المتصدع قبل عدة سنوات ، فور عودته من رحلة خارجية ، و تفقده لأحوال أهالي المنطقة ، ووقوفه إلى جانبهم ، و إشعارهم باهتمامه بهم ، و هو شعور مهم جداً ، يبث الطمأنينة في نفوس رعاياه -حفظه الله وحفظهم- .. فكان ذلك موضع ارتياح أهالي المنطقة ، وسرورهم. و هكذا يجب أن يكون تعاطي المسئولين في الأحداث الكبرى ، الاقتراب أكثر من الحدث ، والوقوف على الطبيعة وفي الميدان ، يتفقدون ويشرفون ويدعمون معنوياً ومادياً ، و أحياناً يباشرون إدارة العمليات لمواجهة الحدث ومعالجة تبعاته..


و لعلنا أيضاً نتذكر في المقابل ما كانت تطالعنا به الصحف قبل حوالي ثلاث سنوات بأخباراصحاب المعالي الوزراء والمسئولين المعنيين ، وهم يدرسون ويناقشون تفشي حمى الضنك في أم القرى في مكة المكرمة وفي جدة ، وهم في وزاراتهم في الرياض ، وحول طاولات اجتماعاتهم هناك .. واستدعائهم لأصحاب المعالي أميني العاصمة المقدسة ومحافظة جدة ، إلى الرياض ، لتبادل المعلومات وتدارس كيفية مواجهة هذا الوباء الذي حصد أرواحاً ، و دقّ عظاماً و أجساماً من أهالي المدينتين ، ولم نسمع حتى كتابة هذا المقال أن تفضل أحد اصحاب المعالي في وزارات الصحة و الزراعة و الشؤون البلدية و القروية بالمجيء إلى مكة المكرمة حيث يتجدد تفشي المرض في كل عام ، للاجتماع بقيادات وزاراتهم في المنطقة وفي مكة المكرمة وجدة تحديداً ، والوقوف على الطبيعة على تدابير المكافحة واستعدادات المواجهة.
والمزعج أن وباء حمى الضنك لا يزال يضرب مكة وجدة سنوياً و هناك من لا يزال يكرر أن الوباء تحت السيطرة ، و لا أعرف كيف يكون تحت السيطرة وموجاته لا زالت تتكرر في كل عام ، و الحالات المصابة لا تزال تتدفق إلى المستشفيات بالعشرات ؟! ففي الموسم الحالي للمرض وحسبما نُشر بالصحف قبل أسبوعين بأن حالات الإصابة بفايروس حمى الضنك والاشتباه بالإصابة في مكة المكرمة بلغت أكثر من 104 حالات ، في حين أكدت الفحوصات الطبية إصابة 44 حالة. وهي لاشك أكثر من ذلك اليوم.


وللتذكير فإن لحمى الضنك شكلين أو مستويين ، كما يفيد المتخصصون ، الأول بسيط ، يشبه الزكمة الفيروسية إلى حد كبير في بداياته ، ثم تشتد الحمى لتصل إلى 40 درجة مئوية ، وتكون غالباً مترافقة مع الصداع ، ثم تظهر أعراض أخرى كآلام الظهر و المفاصل و العضلات ، وفقدان الشهية ، والذوق ، والغثيان و القيء والكسل العام ، و الطفح الجلدي ..


أما الشكل الثاني من حمى الضنك فهو الشكل النزفي ، و هو مرض خطير وربما قاتل ، وتسببه نفس فيروسات الضنك ، إلاّ أنه لا يحصل في الإصابة الأولى للفيروس ، بل يغلب أن يكون في إصابة ثانية لنفس الفيروس ، أو إصابة جديدة لفيروس ضنكي آخر غير الأول ، و هو ما لا حظه الأطباء في كوبا عام 1981م ، حيث ذهب المئات ضحايا هذا الشكل المميت من حمى الضنك ، فقد لاحظوا أن هذا النوع النزفي قد سبقه النوع الأول البسيط في موجة وباء في عام 1977م ..


لذلك أصبح وجود البعوض في أي وقت وأي مكان يشكل مصدر رعب للإنسان ، و مثيراً لقلقه على نفسه و أطفاله و أهله وكل من حوله .. و لذلك أود أن أذكر الإخوة المسئولين الذين لم يبذلوا جهدهم في مكافحة هذا الوباء الذي ظهر منذ عدة سنوات في جدة ، و امتد منها إلى مكة المكرمة ، ولا يزال يضربهما بموجات متتابعة و بدرجات أكبر وأقوى وأعتى من تلك التي ضربت جدة في السنوات الأولى ؛ وأقول لهم والله لتسألن عن هذا التقصير إن لم يكن في الدنيا ، ففي الآخرة بين يدي الله ، ولن تنفعكم محاضر رفع الحرج و تجيير المسئولية ، فإن النفس الواحدة عند الله أعظم من الكعبة المشرفة ، فما بالنا بمئات النفوس التي أصيبت بهذا الوباء ، وأسلم بعضها أرواحهم إلى باريها.. و لا حول و لا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

المدينة 1434/3/21هـ