ما مآل الربيع النبوي؟!

حين صدع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بدعوته استجابة لأمر ربه، بادره سادة مكة بالحرب والعداء، واستفرغوا وسعهم للقضاء عليه وعلى دعوته، وعملوا ما بوسعهم لتشويه صورته بين فصائل العرب، بل وفي لحظة عجز عن مواجهته، تصوروا أنه صاحب هدف مادي يريد تحقيقه، فما كان منهم إلا أن طرحوا خياراتهم المادية في أحضان عمه الوفي أبي طالب بقولهم: «إن كان ابن أخيك يريد ملكا ملكناه، وإن كان يريد مالا جعلناه أغنانا، فانظر ماذا يريد»، وما هي إلا لحظات حتى كانت إجابة سيدنا محمد الشافية الباترة حين قال: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته». والسؤال: ما الذي قض مضجع سادة مكة وجعلهم يدخلون في حرب مضادة مع ابنهم «النبي الهاشمي»؟!


واقع الحال يمكن اختزال الإجابة على ذلك في أمرين: ثانيهما متعلق بجانب التوحيد، لا من حيث الإقرار به، وإنما من حيث مردوده الاقتصادي عليهم، إذ عزَّ على سادة قريش أن يؤمن العرب بإله واحد هو في كل مكان، مما يُقلص من عدد الحجيج إلى مكة، وتتقلص مع ذلك منافعهم ومكانتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ ولو علمت قريش ابتداءً بإقرار الإسلام لفقه الحج، لربما تغير في الأمر أمر؛ أما أولهما فراجع إلى حقيقة الأمر النبوي الداعي إلى تحقيق العدل المطلق، والحرية الكاملة، والمساواة بين جميع الناس في الحقوق والواجبات، دون امتياز لإنسان على آخر، ولطبقة اجتماعية على أخرى، فالكل سواء أمام الله وأمام قانونه السماوي على الأرض.


ذلك ما قض مضجع سادة مكة، وهو ما دعاهم إلى محاربته ونصب العداوة له مطلقا. فنبينا محمد يدعو إلى إلغاء كل الفوارق بين الناس، ليصبح الجميع كأسنان المشط سواسية أمام الله وقانونه، وهو ما استنكفه سادة مكة، وتستنكفه كل النفوس المتكبرة على مر الأزمان والعهود.


وللأسف فلم تتمثل تلك المسلمات القيمية الثلاث مجتمعة وهي (العدل والحرية والمساواة) إلا في فترة محدودة من التاريخ الإسلامي، وهي فترة الخلافة الراشدة إجمالا، ثم ما لبثت تلك القيم النبوية الكبرى بالتلاشي، ليحل محلها تدريجيا، قيم المحاباة والجبر والتفضيل بين عرق ولون وجنس، والأخطر أنها في هذه المرة قد تكرست برؤية شرعية، تكفل بها كثير من فقهاء ووعاظ السلاطين على مخالف العهود. وهو ما فرّغ الأمة الإسلامية من جوهرها النابض بالحياة، حتى قال أحد علمائها وهو الشيخ محمد عبده في معرض إعجابه بالمجتمع الفرنسي، الذي تمثلت فيه قيم الحرية والعدالة والمساواة: «رأيت إسلاما بلا مسلمين، أما نحن فمسلمين بلا إسلام». إنه أيها القارئ الكريم الربيع النبوي، الذي تأمل الأمة الإسلامية أن تجده في ظل هبوب الربيع العربي.

المدينة 1434/3/12هـ