هجرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة

رحلة علمية بصحبة كوكبة من العلماء في تخصصات مختلفة شاركنا فيها لتوثيق طريق الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة - زادها الله رفعة وتشريفاً - إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقد أمضينا في تلك الرحلة التي نظمها مركز أبحاث ودراسات المدينة المنورة يوماً كاملاً، وتتبعنا فيها الطريق الذي سلكه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حتى وصل المدينة، وكم خطر ببالنا ونحن نركب سيارات حديثة وحولنا كل شيء من مأكل ومشرب وراحة، حجم المعاناة التي مر بها نبينا الكريم صاحب الخلق العظيم وصاحبه الصّدّيق رضي الله عنه، وهما يسيران في تلك الفيافي والقفار متحملاً عليه الصلاة والسلام مشقة الجوع والعطش ولهيب الصحراء وما حل به من التعب والنصب حتى وصوله لطيبة الطيبة. وقد وثقّ مركز أبحاث ودراسات المدينة المنورة تلك الرحلة بإصدارات من خرائط تفصيلية توضح مسار طريق هجرته من مكة المكرمة للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام.


وصل - صلى الله عليه وسلم - في مرجوح الأقوال إلى المدينة في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول وهو اليوم نفسه الذي ولد فيه، وكان سعيداً مبتهجاً بأن أخرجه الله من بين مشركي قريش في مكة المكرمة إلى دار الإيمان المدينة المنورة، التي استقبله أهلها أحسن استقبال، وتهافتوا عليه، حيث امتدحهم الله بقوله تعالى:» والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» {الحشر 9} . فمنذ وصوله لطابة، تجملت، وتزينت، وتصححت من وبائها، وتغيرت أحوالها إلى أحسن حال، وأصبحت تزهو على سائر المدائن بدعواته لها عليه الصلاة والسلام، حيث جاء في الحديث « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثم صلى بأرض سعد بأرض الحرة عند بيوت السقيا ثم قال: اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعا لأهل مكة وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك إبراهيم لمكة، ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، واجعل ما بها من وباء بخم، اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم». ولذلك جاءت دعواته لهذه المدينة المقدسة وساماً رفيعاً تزهو به طيبة الطيبة على مثيلاتها من مدن العالم حيث يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما، وإني حرمت المدينة ما بين مأزميها، أن لا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف. اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدّنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده ما من المدينة شعبٌ ولا نقبٌ إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقوموا إليها».


فالمدينة مدعو لها بالبركة فهي مباركة وكل شيء فيها مبارك، تفضلا من الله بدعوة حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم.


فحري بنا أن نوجه طلابنا صغاراً وكباراً لمعرفة نماذج ومواقف خالدة من الهجرة الشريفة وآداب السفر لحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وسيرته، وحجم المشقة والمعاناة التي عايشها وكابدها حتى يجعل كلمة الله هي العليا، وتبليغه للرسالة العصماء هو منتهى مبتغاه، حيث أدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده.


كما نأمل من مركز أبحاث ودراسات المدينة المنورة أن يعرض مقتنياته من خرائط، وملصقات، وإصدارات عن مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المناسبات العامة مثل: مهرجان الجنادرية، ومعارض الكتاب في معظم الدول الإسلامية حتى يطلّع العالم الإسلامي أجمع على عظمة هذا النبي الكريم صاحب الخلق العظيم، والتعرف على سيرته منذ ولادته حتى التحاقه بالرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، وحتى يعلم الجميع مكانة ورفعة شأن هذه المدينة المقدسة التي تضم جسده الشريف، وروضته الشريفة، ومسجده الشريف، الذي الصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

المدينة 1434/3/8هـ