الجهات الحكومية.. صلاحيات وواجبات
من المعروف أن الجهات الحكومية مؤسسة من أجل خدمة المواطنين، وكل ما هو ممنوح لها من صلاحيات هو من أجل تمكينها من أداء واجباتها في خدمة المواطن.
والملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن جهات حكومية تستخدم الصلاحيات الممنوحة لها، ودون الالتزام بمحدداتها، ودون الشعور بواجبها العام في خدمة المواطن ورعاية مصالحه.. أعني تحديدًا نزع ملكيات وهدم عشرات الآلاف من العقارات؛ فصلاحية نزع الملكية مشروطة بعدة شروط منها أن تتم إجراءات الصرف قبل التاريخ المحدد للإخلاء، وتسليم مبلغ التعويض لصاحبه بعد تسليم العقار، في حين أن غالب ما يجري خلاف ذلك فالكل ينزع ويهدم وعلى المواطن الجري وراء حقه.. ونزع الملكيات بالحجم الذي يجري في مكة المكرمة يفرض على الجهات الحكومية المعنية بمجموعها أن تتخذ من التدابير ما يعالج تداعيات هدم عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، المتمثلة بشكل أساسي في نقص المعروض منها وارتفاع أسعار الأراضي وإيجارات المساكن.
ولكن المؤسف أن لا جهة من الجهات اتخذت أي تدابير فعلية تعالج هذه التداعيات، وكل ما نسمعه هو مجموعة من التصريحات الصحفية التي لا ترى لها أثرًا على الأرض، ولا يزال الكثير من الملّاك والسكّان في حيص بيص. فالملّاك يترددون بين المحاكم وكتابات العدل والجهة نازعة الملكية، والسكّان يضربون أكباد (محركات) سياراتهم بحثًا عن البديل وكثير منهم لا يجدون.. حتى يضطر بعضهم للهجرة من مكة إلى جدة وغيرها، وأبرز وأعجب هجرة هي هجرة إدارة متابعة الوافدين في مكة إلى جدة بسبب عدم توفر البديل في مكة، وهو ما نُشر بهذه الصحيفة الثلاثاء الماضي، ويدل دلالة واضحة على حجم مشكلة النقص الحاد في المساكن والمقرات البديلة سواء للسكان أو للمرافق الحكومية التي شملتها الهدميات، بما في ذلك المعاهد والمدارس الحكومية وهو ما دفع إدارة التعليم لتخصيص بعض مدارسها لاستيعاب ثلاث مدارس في مبنى واحد على ثلاث نوبات وهو ما يشكل عنتًا لمعلميها وطلابها.
ويُذكر هنا ما نُشر في هذه الصحيفة الاثنين الماضي من شكوى طلبة معهد الحرم المكي من قرار إخلاء العقار الذي يسكنون فيه وعدم توفير سكن بديل لا من جهة رئاسة شؤون الحرمين التي يتبعها المعهد ولا هيئة تطوير مكة ولا شركة التطوير أيضًا.. والمؤسف أن القائمين على المعهد بدلًا من معالجة شكوى الطلبة وتوفير سكن بديل قاموا بالتحقيق معهم بسبب لجوئهم للصحيفة لإيصال صوتهم وحل مشكلتهم.. يعني (حشفًا وسوء كيلة).
وفي هذا السياق لا يمكننا أن نتجاهل تداعيات الهدميات المتتابعة على الأوقاف والمستفيدين من مصارفها، إذ توقف ريع العديد من الأوقاف بسبب طول إجراءات توفير البدائل مما أضر بالمستفيدين لحد افتقار بعضهم، لاعتماد معيشتهم على ما يحصلون عليه من ريع الوقف.
إن على كل من أمانة العاصمة ووزارة النقل ووزارة الإسكان وهم الجهات الأكثر استخدامًا لصلاحيات نزع الملكيات والهدم في مكة المكرمة هذه الأيام أن تقوم -وبنفس القدر من الحماس والسرعة في الهدم- بتوفير البدائل من خلال البناء المباشر من قبلها وبتحفيز المطورين وتسهيل إجراءاتهم بما يمكنهم من إنجاز مشروعاتهم في أوقات تمكّن من توفير البدائل قبل هدم المزيد.
ولقد فوَّتت هذه الجهات العديد من الفرص لمواجهة النقص عندما لم تقدم الدعم الكافي لمطوري ما يُسمى بالإسكان الميسّر، وعندما لم توزع أكثر من 1200 فيللا من فلل الإسكان للمنزوعة ملكياتهم ولا لمستحقي قروض صندوق التنمية العقارية وذهبت إلى طرحها في مزاد علني لتزيد الطين بلة كما يقولون ولتزيد تأجيج أسعار العقار في بلد الله الحرام، وتشق على أهله، ولم تستجب للنداءات المتكررة بإيقاف المزاد.
جريدة المدينة 1434/3/2هـ