مدرسة دينية متميزة للأجيال

رحم الله الشيخ الجليل.. إمام الحرم المكي الشريف ورئيس شؤون الحرمين الأسبق، الشيخ محمد بن عبدالله السبيل، فبرحيله فقدت المملكة العربية السعودية رمزاً بارزاً من رموز الحرمين الشريفين، وعلماً شامخاً من أعلام الأمة الإسلامية وعلمائها.. كرس حياته للدعوة والخطابة ونشر العلم، وشكل بشخصيته التي أحبها الناس مدرسة دينية متميزة للأجيال، تجمع بين العلم والأدب وحسن الخلق.


أمضى الشيخ السبيل أكثر من أربعة عقود في إمامة الحرم المكي، وفيها ارتفع صوته بالقرآن فرفعه الله، وله دور بارز في كثير من المشاريع الضخمة التي شهدها الحرمان الشريفان إبان عمله كرئيس لشؤون الحرمين الشريفين، ويذكر له خيره وفضله على من عاصرهم من أئمة الحرمين، وفي ذلك يقول إمام الحرم المكي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس "منذ أن وطئت قدماي مكة المكرمة لنيل شرف الإمامة في الحرم الشريف، استقبلني الشيخ محمد السبيل بكل حفاوة، وشجعني على القيام بهذه المهمة العظيمة، وقال لي استلم الراية، وكان يشرفني بالإنابة عنه في صلاة العشاء كثيراً في الحرم الشريف؛ لتعدد رحلاته ومسؤولياته، وكان بمثابة الوالد الحاني والمعلم الباني، وهو مدرسة في العلم والفضل والحكمة وحسن الخلق وموسوعة في معارفه وآدابه وحسن معشره وملاطفته، وكان محل تقدير ولاة الأمر والعلماء؛ لما حباه الله من مزايا".لقد كان رحمه الله علماً بارزاً في العلم الشرعي، وبحراً في الفقه، وله مؤلفات عدة، أشهرها (رسالة في بيان حق الراعي والرعية، رسالة في حد السرقة والخط المشير إلى الحجر الأسود ومدى مشروعيته، ودعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم)، ونتيجة لعلمه وفضله، كان مفتي المملكة السابق، الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – يجله ويعده مرجعية معتبرة في مكة المكرمة.


وفي حياته المليئة بالبذل والعطاء، نفذ الشيخ السبيل أكثر من مائة رحلة دعوية، زار خلالها أكثر من خمسين دولة، واياديه البيضاء في أعمال الخير، وعرف بالسعي إلى الإصلاح وحب الإحسان إلى الناس، وكان بيته مفتوحاً لطلاب العلم والمحتاجين.وتميز رحمه الله بأسلوبه البديع في الدعوة إلى الله مستخدماً الحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى الوسطية والتسامح والاعتدال.. أحبه الناس بسب دماثة خلقه وحسن جواره، وتجلى ذلك بوضوح عبر تلك الجموع الكبيرة التي جاءت لتشييع جثمانه في مقبرة العدل في مكة المكرمة.لا شك أن مصيبة الموت من أعظم المصائب، والموت باب لابد من الدخول إليه، لكن موت العلماء أشد وقعاً على الأمة، ففراق واحد منهم يعد ثلمة لا تسد ولا تعوض، فكيف إذا كان الفراق بحجم رحيل الشيخ محمد السبيل الذي سيفقده المنبر والملتزم والحجر وكل ركن من أركان الحرم.رحم الله الشيخ الجليل، وأسكنه جنات الفردوس، وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين.
كاتب وباحث أكاديمي