الشيخ السبيل مثال ينبغي أن يحتذى

يمثل انتقال فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام، والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو المجمع الفقهي الإسلامي إلى رحمة الله فقداً كبيراً شعر به الجميع في هذه البلاد المباركة وخارجها.. الشيخ رحمه الله تميز فيما تميز بعدم الاهتمام بالإشكاليات الدينية، ولذا لم يضمنها خطبه الجمعية العامة أو أحاديثه الإذاعية؛ أما أبحاثه العلمية الخاصة فقد كان يطرح فيها مفاهيمه بكل تجرد، ومن ذلك كتاب (ثلاث رسائل فقهية) الذي ذكر فيه أولاً حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية، وتطرق فيه عن الإقامة هناك، والمحبة والموالاة، والهجرة إلى بلاد الإسلام.. وذكر ثانياً حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد.. وأيد ثالثاً وضعَ خط يشير إلى الحجر الأسود في صحن المطاف، بديلاً عن الدائرتين اللتين كانتا في صحن المطاف بمحاذاة الحجر الأسود والركن اليماني، مفتياً بأن الخط وسيلة محدثة، وليس بعبادة، ولذا لا يدخل في حكم البدعة ـ الدراسات الخاصة بالطواف بعد ذلك رأت أن المصلحة في إزالته، فأزيل واستعيض عنه بكشافات خضراء تدل على بدء الطواف، ومشربيات مقصبة وضعت في أعلى كسوة الكعبة على ركن الحجر الأسود أو الأسعد ـ ومع هذا كله فالشيخ السبيل وفي حديث صحفي بتاريخ 19/4/1422 اعتبر أن الخلاف فيما بين العلماء أمر شرعي قد حدث منذ صدر الإسلام، بل منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ذاكراً أن "مبنى الخلاف إما وجود أحاديث يعتقد البعض صحتها، ويرى غيره ضعفها، أو أن يكون لدى أحد المختلفين نص لا يعلمه الآخر، وهذا من أسباب الخلاف المعروفة".. مضيفاً أن "الخلاف لا يعنف عليه أحد ولا يخطأ، بل نقول من أصاب كان له أجران؛ أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، ومن أخطأ عن اجتهاد كان له أجر الاجتهاد، أما طالب العلم الذي لم يبلغ مرتبة الاجتهاد فعليه أن يرجع إلى من يثق به من أهل العلم، وعليه أن يتجنب الخلاف وكثرة النزاع".. مؤكداً على أن "من كان مستندا إلى حديث أو نص فلا يجوز تبديعه أو تضليله، كما أنه ليس للفقيه أن يقول للناس إن الواجب اتباع قولي، بل يحترم العلماء اجتهادات إخوانهم دونما تضليل أو تبديع".


فقيدنا الراحل سكن مكة المكرمة منذ عام 1385، وصار من أهلها، وواصل الناس جميعاً، فكان حسن الاستماع، يناقش بأدب، ويجادل بالحسنى وبتواضع، ميزه الله بالفهم الكبير لمفاهيم الناس المتعلقة بمعتقداتهم وآرائهم واجتهاداتهم.


ولضيق المساحة أختم بقصتين وقعتا مع الشيخ محمد السبيل ـ تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته ـ أوضح بهما عملياً من هو الشيخ السبيل، وما هو فكره، وما هي أخلاقه وسماته.. الأولى عندما انتقل فضيلة الإمام السيد حسن فدعق أحد أئمة المسجد الحرام إلى الرفيق الأعلى في رمضان عام 1400، وبعد أن صلى عليه الشيخ في الحرم تبع الجنازة إلى أن تم الدفن، والثانية عندما بادر في رمضان عام 1425 للصلاة على جنازة فضيلة السيد الدكتور محمد بن علوي مالكي أحد أبرز علماء المسجد الحرام؛ فعل كل ذلك وفاءً للعلم وأهله، وتعليماً للأجيال من بعده أن (العلم رحم بين أهله).. رحم الله الشيخ، وعزاؤنا فيه يا أبناءه البررة مشترك.

الوطن 2012-12-22