توسعة المطاف
الحمد الله العليم الخبير الذي علمنا بحكمته كيف نظهر الحق ولا نكتمه وان كان علقماً مراً، الذي حرم أشياءً وأباح أخرى، فقد حرم الخمر لمضارها مع حلو سكرها عند أهل الباطل، فقال جل شأنه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) البقرة "219"، فالله سبحانه وتعالى لو لم يقل: (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) لم يسأل عما يفعل، وهذا سبيل للإنسان عدم إخفاء الحقيقة، وقول الحق وإن كان خلافاً لما نحب ونكره.
نعلم أنه قبل ما يزيد عن عام أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بتوسعة المطاف في الحرم المكي الشريف رحمة بالمسلمين وتحقيقاً للمصلحة العامة بطريقة هندسية فنية تحافظ على طرز المعمار المختلفة ونقوشها المتنوعة، كما فعل حفظه الله من ذي قبل عند توسعة المسعى بين الصفا والمروة، وقد أرجف المرجفون وعارض المعارضون من الداخل والخارج متناسين أن حكومة المملكة العربية السعودية السنية تبادلت الآراء مع أهل العلم والخبرة، وطلبت المشورة الفقهية الشرعية في ذلك من أهل العلم حول العالم، فجاءت معظم الآراء تؤيد ما ذهب إليه ولي أمر بلاد الدولة والدعوة.
ومن أبرز هذه الأبحاث ما كتبه معالي الشيخ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء في بحثه الموسوعي "المسعى: المشعر والسوق" أو "المسعى: المشعر والمتجر"، فأبرز أقوال الفقهاء والمحّدثين والمؤرخين والجغرافيين والأدباء.. الخ مبيناً ديمغرافية المسعى عملاً بقوله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ)، ومع كثرة الدلائل والبراهين والدفوعات الواردة، ظل الفريق الآخر ينافح على هواه وما يهواه.
وكان من المعارضين يرفعون عقيرتهم ونسوا أن قادتهم عندما بسطوا سلطانهم على الحرمين الشريفين كانوا يتشرفون بلقب "خادم الحرمين الشريفين" شكراً لما أولاهم جل وعلا لخدمة بيته العتيق وللأفئدة التي تهوي إليه رعاية وعناية نفسية وجسدية وروحية لزوار بيت الله الحرام ، لأن المعتمرين والحجاج والزوار وفد الله وضيوفه والتيسير عليهم من أوجب الوجبات.ونستذكر في هذا المقام ما فعله الملك عبد العزيز مؤسس بلادنا الكريمة حرسها الله عندما اشتد الحر على الحجاج، فأمر رحمه الله بنصب الخيام والصواوين في حصاوى الحرم لحمايتهم من اشعة الشمس ووهجها، ثم نفذ مشروع أشرعة التظليل أمام رواق الحرم لتظليل جزءا من الحصاوي قبل نزع ملكيات الدور حول الحرم لتخصيص ساحات الحرم لمصلحة عباد الله تخفيفاً عليهم ورحمة بهم ، فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه جل شأنه انفعهم لعياله . ثم نتساءل عمن كان باسطاً يديه على شؤون الحرمين الشريفين سابقاً هل قبلوا كلام من عارضهم عندما بدلوا وغيروا وطوروا ووسعوا على العباد في بيت الله الحرام؟ غيروا ملامح البناء العباسي ومابعده، وبنو مايلزم، له مثل بناء مقامات المذاهب وبعض المظلات.. إلخ، فهل مضوا فيما ظهر لهم من الحق وقال به معظم علماء الامة استناداً الى القاعدة الاصولية العريقة: " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" أم أنهم توقفوا وتراجعوا، إذن لنستذكر التاريخ ولا نتناساه ، لذا فإنني اجزم أن توسعة المطاف وقبله توسعة المسعى، بل إعادة تخطيط وتطوير مكة المكرمة واحيائها إنما هو لدرء المفاسد ولتحقيق الكثير من المصالح للبلاد والعباد من حجاج وزوار وعمار تتزايد اعدادهم .كل عام، فالحق أحق ان يتبع ، وبعض الظن إثم وكثيره جحود وكفران وضلال ، والله من وراء القصد.
جريدة البلاد