«الندوة» و«مكة».. بين العاطفة والعقل
أثار قرار مجلس إدارة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام بإيقاف صحيفة «الندوة» ردود أفعال واسعة في الوسط الإعلامي السعودي والمجتمع المكي بين مؤيد ومعارض لإيقاف صحيفة «الندوة» التي حملت تاريخا عريقا، إذ صدر أول عدد منها قبل 57 عاما. وبين متفائل ومتشائم بمستقبل صحيفة «مكة» التي تستعد للانطلاق في زمن بدأ فيه «الإعلام الجديد» يطغى على المشهد ويسيطر على الساحة. وقد صدر عدد «الندوة» الأخير غرة شهر محرم حاملا «وداعية» كتبها رئيس مجلس الإدارة الشيخ صالح كامل أثنى فيها على العاملين الذين بذلوا الغالي في سبيل استمرار «الندوة» المتعثرة منذ سنوات، ووعد بإشراقة جديدة قريبة لصحيفة «مكة» تستمد نورها من مكة المكرمة.
شخصيا، وبحكم ملكيتي في المؤسسة، كنت من المعارضين القلائل في «الجمعية العمومية» لتغيير اسم «الندوة» إلى «مكة». ولكني لا أخفي ارتياحي وقناعتي عندما رأيت اسم «مكة» القوي والفاخر يتصدر العدد النموذجي الذي وقع عليه وباركه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ حفظه الله. وبالنسبة لمسألة الاكتتاب في المؤسسة التي ادعى البعض من رجال الأعمال المكيين أنه تم تجاهلهم وعدم دعوتهم لرفع رأس المال، فما أعرفه وعايشته شخصيا أن شركة «الشرق الأوسط» التي كانت مكلفة بالاكتتاب تعثرت كثيرا في جمع رأس المال المطلوب، وكان هناك شبه عزوف ورفض من أهالي مكة المكرمة للمشاركة في رفع رأس المال؛ بحجة عدم جدوى الاستثمار في مشروع إعلامي قائم ويخسر منذ سنوات، وقد زار مندوبو الشركة المكلفة بالاكتتاب عددا كبيرا جدا من التجار في مكة وجدة، ولكن دون فائدة، ثم تدخل معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة شخصيا لإنقاذ الاكتتاب، وقام بدعوة الشيخ صالح كامل وعدد آخر من كبار رجال الأعمال الذين أنقذوا الاكتتاب في أيامه الأخيرة. وقد اقتنع عدد قليل جدا من رجال الأعمال المكيين بالمشروع واكتتبوا به مثل: زياد فارسي، فايز زقزوق، منصور أبو رياش، وهشام عبدالقادر كوشك، وآخرين.
ومن اعترض على تغيير اسم صحيفة «الندوة» إلى «مكة» بحجة أنه غير قانوني لم يكن دقيقا في حكمه، إذ أن الأمر قانوني جدا؛ لأن اسم المؤسسة منذ تأسيسها هو «مؤسسة مكة للطباعة والإعلام»، وهي التي كانت تملك حق إصدار صحيفة «الندوة»، ومن حقها ــ بعد موافقة المقام السامي ووزارة الثقافة والإعلام ــ تغيير اسم الصحيفة الصادرة عنها واستعادة اسم «مكة» الذي هو في الأصل موجود في اسم المؤسسة. وفي جعبتي أسئلة أخيرة للذين يتباكون على «الندوة»: أين كنتم عندما كانت الندوة تعاني وترزح تحت وطأة الديون والمشاكل الإدارية والمالية والتحريرية، وأين كان دوركم الإيجابي تجاه الصحيفة المكية الوحيدة بالاشتراك والإعلان؟ وأين كنتم عندما تم فتح الاكتتاب في صحيفة «مكة»، ولماذا عارضتم الاكتتاب؟ وماذا يفيد البكاء الآن بعد أن وصلت «الندوة» إلى مستوى متدنٍّ لا يمكنها من المنافسة في زمن «الإعلام الجديد» الذي لا يرحم الضعيف والمتعثر والفاشل.
وبعد أن وصلت «الندوة» إلى ما وصلت إليه، وأصبحت لا تتجاوز مبيعاتها المئة نسخة فقط يوميا في منافذ بيع المملكة كافة، كان لزاما على ملاكها القدامى والجدد الفرار من الاسم الذي بات خاسرا ومحترقا في سوق الإعلام والإعلان السعودي. وأخيرا، أقول إن العاطفة تجعلنا نحزن على طي صفحات «الندوة» بعد 57 عاما، ولكن العقل يدفعنا نحو مباركة الخطوة التي اتخذها نخبة من رجال الأعمال الذين يملكون مؤسسة مكة الإعلامية حاليا، وعلينا التفاؤل بمستقبل مشرق ــ إن شاء الله ــ لصحيفة «مكة» التي توفرت لها إمكانات حديثة ومميزة ستجعلها في مصاف الصحف الناجحة والمتوثبة في زمن لا يعرف التثاؤب أبدا. ولا يمكن أن أذكر «الندوة» التي تشرفت برئاسة تحريرها قبل أعوام دون أن أذكر عامليها الأبطال الذين حملوها على أكتافهم عمرا عندما تخلى عنها الجميع!.
عكاظ 1434/1/4هـ