ضَرَب المدفع ولا ما ضرب!
في أيام البساطة كانت معظم أحياء مكة المكرمة تقع حول الحرم وما يبعد منها عنه لا يبعد كثيراً، وقد اختارت الدولة جبلاً متوسط الموقع عالي الارتفاع ونصبت فوقه مدفعاً تركياً قديماً وجعلته المصدر الأساس بالنسبة لعامة الناس الذين لا يملكون مذياعاً ولا يتابعون أخباراً، لإعلامهم بدخول شهر رمضان أو دخول العيد وبموعد الإفطار وموعد الإمساك يومياً، وكان السؤال الدائم بين المكيين إذا ما كان الواحد منهم في شغل، أو كانت حولهم أصوات عالية تمنعهم من سماع صوت المدفع، كان سؤالهم للتأكد من قدوم عيد الفطر، على وجه الخصوص، كان السؤال هكذا: ضرب المدفع ولا ما ضرب!
وكان مدفع رمضان ومدافع الفطور والإمساك تسمع بوضوح في جميع أحياء مكة المكرمة قاصيها ودانيها بل إن جبل المدافع الذي يعتبر امتداداً لجبل هندي الذي يحمل تاريخياً اسم جبل قعيقناع الذي يطل الجزء الجنوبي منه على المسجد الحرام، كان جبل المدافع يُرى من معظم أنحاء العاصمة المقدسة لاسيما عند اتضاح الرؤية وعدم وجود ما يؤثر عليها من غبار أو سُحب أو ظلام، أما في هذه الأيام فإن المدفع يضرب كل يوم عند الإفطار وعند الإمساك، وعند اعلان دخول رمضان والعيد، ولكن قليلاً ما يسمع حتى بالنسبة لسكان الأحياء المجاورة لجبل المدافع لعلو ضجيج السيارات والحياة واتساع العمران في الأرض المقدسة، ووجود وسائل الاتصال والإعلام التي تُغني عن المدفع كوسيلة للإعلان عن رمضان والعيد والإفطار والإمساك، ولولا أن مخرجي التلفاز في القناة الأولى يقدمون للمشاهدين المتابعين للنقل الحي لأذان المغرب من المسجد الحرام، بين حين وآخر لقطة مُقربة من على سطح الحرم ومنائره بواسطة الكاميرات الموجودة فيها، لجبل المدافع والمدفع وهو يطلق ثلاث طلقات يومياً إعلانا لموعد الإفطار، لولا ذلك لنسي الناس مدفع رمضان تماماً، وهم نسوه على أرض الواقع فلم يعد أحد يسأل هل ضَرَب المدفع؟ تلهفاً لوصول العيد، لأن معظم الناس أصبحوا يترقبون البيان الرسمي للإعلان عن رؤية الهلال، وهذه الرؤية أصبحت هي الأخرى مختلفاً حولها في هذه الأيام!، أما في أيام البساطة فلم يكن هناك من يناقش مسألة الرؤية على المستوى الإعلامي أو العام، وإنما كان اهتمامهم حول المدفع ومتى يضرب!! أما الهلال وشافوه أو ما شافوه فإن الشيوخ به أبخص!!
عكاظ :( الأربعاء 03/10/1427هـ ) 25/ أكتوبر/2006 العدد : 1956