جبل الرحمة وأخواته

للجبال في التاريخ البشري موقع لا يمكن إغفاله، وقد ورد ذكرها في آيات كثيرة، وخاصة مع قصص الأنبياء، وقد بدأ التاريخ الإسلامي من قمة جبل حراء (النور) حيثُ تنزّل الوحي ابتداء بسورة اقرأ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعبَّد فيه قبل بعثته وتبليغه بالرسالة، وفي الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة كانت قصة غار ثور، حيث اختبأ الحبيب ورفيق هجرته الصديق رضي الله عنه فيه ثلاث أيام، وفي المدينة المنورة ظهرت أهمية جبل أحد بعد المعركة الشهيرة، كما أن جبل عرفات ورد ذكره في حجة الوداع، حيث وقف عليه الحبيب المصطفى داعيا ملبيا وخطيبا، كما أن جبل سلع ورد ذكره في معركة الأحزاب، حيث كان مركز القيادة عليه، وهذه الأخبار كلها مؤكدة لا ريب فيها ولا تقبل التشكيك!!


وإذا كان للجبال المذكورة مكانة خاصة، وقد لعبت أدوارًا هامة في تشكيل تاريخنا الإسلامي، ولها مكانة خاصة في قلوب ملايين المسلمين، ويظهر ذلك من شغفهم بصعودها والتعرف عليها عن قرب، ومن المؤكد أن معظم من يرتقيها قد قرأ عنها في كتب السيرة النبوية الطاهرة، ومن أجل ذلك يتحمل معظمهم كثيرًا من المخاطر في سبيل الصعود إلى قممها، وليس بعيدًا حدوث بعض حالات خطرة من وقوع وانزلاق أو على الأقل حالات الإجهاد، وخاصة لدى كبار السن والمرضى، كما أن نسبة كبيرة منهم لديه بعض التصورات الخاطئة عن هذه الجبال والمواقع، ولذلك تظهر منهم تصرفات وسلوكيات منافية للشرع كالتبرك وغيره !.


وطالما أن هذه الجبال ورد ذكرها في نصوص صحيحة وأنه لا مانع شرعي منصوص عليه من زيارتها للتعرف عليها عن قرب، وأنه من الصعب منع روادها من حجاج وزوار من تحقيق رغباتهم في ذلك مهما كان التبرير أو الفتوى وخاصة في هذا العصر، فإن من المحتم علينا وخاصة الجهات ذات الصلة كوزارة الحج والبلديات والشؤون الإسلامية وهيئة السياحة ومؤسسات الطوافة والأدلاء أن يتدارسوا الوضع وكيفية التعامل معه بأسلوب تقني اعتمادًا على مرجعية علمية تاريخية وشرعية لوضع تصور متكامل يوفر وسائل آمنة ومعاصرة للوصول إلى قمم هذه الجبال مع توفير كافة الخدمات ومراكز توعية شرعية لروادها للحفاظ على سلامة العقيدة والجانب الإيماني، وأن تمثل هذه الزيارة لرواد هذه المواقع بصمة لا تمحى في حياتهم ومن حولهم، بل وسيكون منهم من سينقل الصورة الصحيحة تاريخيًا وشرعيًا..!


فالجهات ذات الصلة تتحمل مسؤولية التوعية الشرعية في هذا الجانب حيث هناك أخطاء تقع من رواد وزوار المواقع التاريخية وذلك لجهلهم بالأمور الشرعية كالتبرك وغيره، ولذلك فالواجب على تلك الجهات بذل كل ما تستطيع لتعليم وتعريف الحاج والمعتمر والزائر بسيرة النبي الكريم وحقائق الدين بأسلوب يتناسب مع عقلية أبناء العصر وتقنياته.. فهل يمكن أن يجدوا منّا وفينا من يُعينهم على فهم دينهم وتاريخه وسيرة نبيهم عليه الصلاة والسلام؟!.

المدينة 1433/12/17هـ