يوم عرفة والحج أمنية العمر

قد لا نشعر - نحن أبناء هذه البلاد الطاهرة - بتميز تجربة الحج لتكرارها لدينا في كل عام، ولقربنا الكبير - والحمد لله - من الحرمين الشريفين، إذ طالما صلى أحدنا الفجر في الحرم المكي الشريف، ثم صلى الظهر في الحرم النبوي الشريف في اليوم نفسه. ومع أننا نقدر ولاشك هذه النعمة الكبيرة علينا، إلا أن مثل هذا الأمر لدى بعض المسلمين الوافدين من أقطار بعيدة يعتبر أمنية قد يقضي العمر كله وهو يتمنى تحققها.


وبينما يحج الواحد منا في هذه البلاد لعشرات المرات.. ويكون ذلك أمراً اعتيادياً للغاية، فإن من يحج لمرة واحدة من أهل الأقطار الإسلامية يطلق عليه لقب (حاج) وهو لقب له ثقله ووزنه ويلقى عليه هالة إيمانية كبيرة ويكسبه احتراماً وتقديراً من قبل أهله وجيرانه وأقرانه، وحين يقال: «الحاج فلان»، فإن الذهن ينصرف فوراً إلى شخصية متدينة وقورة لذلك فإن كل من حج من أهل الأقطار الإسلامية المختلفة يحاول جاهداً أن يحافظ على هذه المكانة التي وصل إليها بالحج. فتراه بعد عودته يحافظ على الصلوات الخمس في المسجد وإن كان مقصراً فيها قبل حجه. وقد يكون البعض ممن لا يصومون في رمضان، فيحافظون على الصيام بعد حجهم.


والواحد منا في هذه البلاد، كما قلت، قد لا يعرف التعظيم والتفخيم لهذه الشعيرة في البلاد الأخرى، ولكن من زار بعض الدول الإسلامية بعد موسم الحج مباشرة يرى العجب العجاب من تزيين المنازل بسعف النخل وتعليق اللافتات التي كتب عليها عبارات مثل: عوداً حميداً لحجاج بيت الله»، «حجا مبروراً وسعياً مشكوراً» وهكذا.


فهذا الحدث يعتبر حدث العمر بالنسبة لمعظم المسلمين، الذين قد يقضي بعضهم كل حياته وهو يوفر المال ليتمكن من أداء هذه الفريضة. خاصة في الدول الإسلامية الفقيرة. وكثيراً ما تسمع عبارات المجاملة في بعض الدول العربية الإسلامية، حين يكرم أحدٌ أحداً، فيقول المكرَّم للمكرِّم: «في حجك إن شاء الله».


وأجمل دعوة يحب أن يسمعها كبار السن خاصة: (من الله عليك بالحج)، فالحج أمنية العمر كما قلت، ورغم سهولتها ويسرها بالنسبة إلينا، إلا أنها صعبة المنال بالنسبة للكثير من سكان العالم الإسلامي.


لذا حرصت حكومة المملكة على مدى عقود طويلة على جعل الحج سهلاً ويسيراً وتيسير أمور الحج وتطوير مناطق المشاعر قد يبدو يسيراً سهلاً إذا ما اقتصر على مجرد كلمات تقال، ولكن تحقيق ذلك وتنفيذه أمر آخر.


فالكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين العالميين المنصفين يعلمون مدى الجهد العظيم والتخطيط الدقيق والإنفاق السخي الذي تضطلع به حكومة المملكة العربية السعودية في سبيل جعل الحج في كل عام أيسر من العام الذي يسبقه. لذا فإن من حج على مدى أعوام متتالية يمكن له أن يحس بذلك بوضوح، أما الذي حج قبل عشر سنوات مثلاً أو يزيد وحج في هذا العام فإنه لاشك لمس فروقاً كبيرة وتغييرات جمة. ولا يمكن لمنصف أن يقارن الصعوبات القليلة التي قد يكون واجهها هذا العام بالصعوبات التي كانت تواجهه قبل عقد أو عقدين.


والكل رأى الطرق السريعة، والجسور والأنفاق التي تربط المشاعر المقدسة بعضها ببعض ما بين جدة ومكة والمدينة، والكل لمس توفر الخدمات العامة بشكل كبير في المشاعر وفي المدن الثلاث أو حيثما اتجه، ما بين ماء وكهرباء واتصالات حديثة متطورة ودورات مياه وسلع تسويقية متكاملة. ناهيك عن مراكز التوجيه والإرشاد المتوفرة في كل مكان والخدمات الصحية الفائقة التي تستوعب أي عدد من المرضى والمصابين من الحجاج، والكل لمس ما حدث لجسر الجمرات من تطور هائل لتخفيف الازدحام وتقليل الإصابات ناهيك عن توسعة المسعى المباركة التي أثبتت أنها كانت فكرة صائبة وموفقة وراشدة.


ولا يغيب عن البال تشغيل قطار المشاعر هذا العام وقبل هذا العام، وسيليه إن شاء الله تشغيل قطار الحرمين وسوى ذلك من المشروعات الضخام.


وغداً إن شاء الله سيكون يوم عرفة، جعله الله يوم قبول، وغفرانًا للذنوب، لمن وقف في عرفة من الحجاج، أو صام هذا اليوم من سواهم من المسلمين.

المدينة 1433/12/7هـ